والمأمون من ظريف كلامه: إذا طالت اللحية تكوسج العقل.
وقال: النبيذ كلب والعقل ثعلب!.
وكان يقول: قد اجتمع في التفاح الصفرة الدرية، والحمرة الذهبية، والبياض الفضي. فالعين لحسنه، والفم لطعمه، والأنف لطيبه.
وما أحسن تقسيمه الثمار على الأعضاء في قوله: مجلس النبيذ بساط يطوى مع إنقضائه. وقوله الرمان للكبد، والتفاح للقلب، والسفرجل للمعدة، والتين للطحال، والبطيخ للمثانة.
وقوله: مجلس النبيذ ستر فانظر مع من تهتكه.
وكان يقول: قرناء الرجل بمنزلة الشعر من جسده، فمنه ما يخدم ويكرم، ومنه ما يخفى وينفى.
وقال للبريدي: لم أرك منذ أيام، فقال: يا أمير المؤمنين، قد وجدت بأذني ثقلاً أكره معه أن أجيب على غير فهم، أو أتعبك في الاستفهام. فقال: أطيب ما كنت جليساً الآن! شئنا أن نسمعك أسمعناك، وإذا احتشمنا من شيء أسررناك، فأنت شاهد غائب.
وكان يقول: للفاكهة لذتان؛ الرائحة والطعم. فمن أكلها والغمر في يديه فاته أحداهما.
إبراهيم بن المهدي اختلف هو وإسحاق النديم في صوت فقالا: إلى من نتحاكم والناس ما عدانا بهائم؟!.
وحكى إسحاق قال: طهرت بعض أولادي فجاءتني رقعة إبراهيم بن المهدي وقال فيها: لولا أن البضاعة قصرت عن الهمة لبعثت المدى إليك. وقد كرهت أن تطوى صحيفة البر وليس لنا فيها ذكر، فبعثت المبدأ به لوليمته والمختتم به لنظافته: جراب ملح وجراب اشنان. فلما كان من الغد أهدى إليه ما قيمته ألف دينار.
عبيد الله بن عبد الظاهر كان يقول: سمن الكيس ونيل الذكر لا يجتمعان.
المعتصم بالله رفع إليه رجل قصة فيها: يا أمير المؤمنين، إني أتظلم ممن وافق اسمه فعله، فإنه غصبني ضيعتي. ولم يعرف مقصده حتى قال أنه يتظلم من ظلوم جاريته، وأمر وكيلها بإنصافه.
وصيف التركي والي الشام للمعتصم، أصابته مصيبة فركب إليه محمد بن عبد الملك الزيات فعزاه بأخبار وأشعار وأمثال. ثم أصيب محمد بمصيبة فركب إليه وصيف وقال: يا أبا جعفر، أنا رجل أعجمي لا أدري ما أقول، ولكن انظر ما عزيتني به ذلك اليوم فعز به نفسك الآن. فاستظرف الناس كلامه.
المتوكل على الله كان يعجبه الورد جداً فقال: أنا ملك السلاطين والورد ملك الرياحين، فكل منا أولى بصاحبه.
الفتح بن خاقان: مرض خاقان فعاده المعتصم بالله، والفتح إذ ذاك صبي صغير، فقال له المعتصم: داري خير أم دار أبيك؟ فقال: ما دام أمير المؤمنين في دار أبي فهي أحسن!.
وقيل له وعلى يده خاتم ياقوت أحمر في نهاية الحسن: أرأيت أحسن من هذا؟ قال: نعم، اليد التي هو فيها.
وقيل إن الفتح بن خاقان قال لأحد ندمائه: يا فلان، دخلت قصري فاستقبلتني جارية فقبلتها، فوجدت في فيها هواء لو رقد المخمور فيه لصحا. فأخذ أبو الفرج الدمشقي هذا وقال رحمه الله تعالى طويل:
سقى الله ليلاً طاب إذ زاد وصلها ... فأفنيته حتى الصباح عناقا
بطيب نسيم منه يستوجب الكرى ... فلو رقد المخمور فيه أفاقا
واحتجب المتوكل عن ندمائه لرمد عرض له، فكتب إليه الفتح وهو من أظرف ما قيل في الرمد يقول بسيط:
عيناك أجمل من عيني بالرمد ... فاسلم وقيت الردى لآخر الأبد
من ضن عنك بعينيه ومهجته ... فلا رأى الخير في أهل ولا ولد
محمد بن عبد الله بن طاهر كان يقول: أربعة لا يستحى من الختم عليها: المال لنفي التهمة، والجواهر للأبدال، والدواء للاحتياط، والطيب للصيانة.
المنتصر بالله: ما ذل ذو حق وإن أصفق عليه العالم، ولا عز ذو باطل وإن طلع من جبينه القمران.
المعتز بالله، لما حرضته أمه على طلب الثأر من الأتراك الذين قتلوا أباه فأبرزت إليه قميصه وشكت وبكت، فقال لها: ارفعيه وإلا صار القميص قميصين. فما عادت لعادتها بعد ذلك.
عبد الله بن طاهر نادمه المعتز فاستنشده هذين البيتين فقال طويل:
سقتني في ليل شبيهٍ بشعرها ... شبيهة خديها بغير رقيب
فأمسيت في ليلين بالشعر والدجى ... وصبحين من كأسٍ ووجه حبيب
فاستزاده فأنشد طويل:
يقولون آثار وشتى مصائب ... فقلت مقالاً ما عليه غبار
إذا سلمت في الناس للمرء نفسه ... وأحبابه فالحادثات غبار