بَينَ شَمالَ وَصِبا ... حَنَّ مَشوقٌ وَصَبا
فَلَم تَزِدهُ نَغَمات الشَوقِ إِلا وَصَبا
عبارة النسيم لا يفهمها إلا المشتاق، وحديث البروق لا يروق إلا للعشاق.
وَمُرنَّحِ فِطَنَ النَسيمُ بِوَجدِهِ ... فَروى لَهُ خَبَر العُذَييبِ مَعرِّضا
خلوا بالحبيب في دار المناجاة فكساهم ثياب الموصلة، وضمخهم بطيب المعاملة، وغالية السحر غالية، يصبحون وعليهم سيما القرب.
تفوح أرواح نجد من ثيابهم فتأسف يا جيفة النوم، وابك يا عريان الغفلة، أتدري كيف مر عليهم الليل، ألك علم بما جرى للقوم.
أيعلم خال ما جرى للمتيم رحلت رفقة (تَتَجافى) قبل السحر، ومطرود النوم في حبس الرقاد، فما فك عنه السجان القيد حتى استقر بالقوم المنزل، فقام يتلمح الآثار على باب الكوفة، والقوم قد شرعوا في الإحرام.
مَن يَطَّلَع شَرَفاً فَيُعَلِمُني ... هَل رَوَّضَ الرَعيانُ بالإِبِلِ
أَم قَعقَعت عُمُدُ الخِيامِ أَم ... اِرتَفَعَت قِبابُهُم عَلى النُزل
أَم غَرَّدَ الحادي بِقافِيةٍ ... مِنها غُرابُ البَين " يَستَملي "
كان " حسان بن أبي سنان " يخادع امرأته حتى تنام، ثم يخرج من الفراش إلى الصلاة.
جَرى حُبُّهُ مَجرى دَمي في مَفاصِلي ... فَأَصبَحَ لي عَن كُلُّ شُغلٍ شُغلُ
كَأَنّ سَوادِ اللَيلِ يَعشَقُ مُقلَتي ... فَبَينَهُما في كُلِ هَجرٍ لَنا وَصلُ
كانت " أم الربيعبن خيثم " إذا رأت تقلقله بالليل تقول: يا بني لعلك قتلت قتيلا، فيقول: نعم قتلت نفسي.
وقالت " أم عمر بن المنكدر ": أشتهي أن أراك نائما، فقال: يا أماه، من جن عليه الليل وهو يخاف البيات، حق له أن لا ينام، يا أماه إن الليل ليرد عليَّ فيهولني، فينقضي عني وما قضيت منه أربي.
ذق الهوى وإن استطعت الملام لم قيل لبعض الزهاد: إرفق بنفسك، فقال: الرفق أطلب.
كان " أمية الشامي " يبكي في المسجد وينتحب حتى يعلو صوته، فأرسل إليه الأمير: إنك تفسد على المصلين صلاتهم بكثرة بكائك وارتفاع صوتك، فلو أمسكت قليلا، فبكى وقال: إن حزن القيامة أورثني دموعا غزارا، فأنا أستريح إلى ذريها أحياناً.
اللَوَّمُ فيكَ يَنصَحوني ... وَالنُصحُ خِيانَةَ اللَوائِم
المُقعِد، ُ وَالمُقيمُ عِندي ... ما دُمتَ عَلى الصُدودِ دائِم
مالي أَجِدُ الحَمامَ أَنَّى ... ناحَت بِآراكِها الحَمائم
كَم صَحَّ عَلى السَّلو عَزمي ... وَالحُبُّ يُحَلِّلُ العَزائِم
وَكَم مِن حَديثٍ قَد خَبأناهُ لِلقَسا ... فَلَما اِلتَقينا صِرتُ أَخرسَ أَلكنا
يا مؤخر توبته بمطل التسويف (لأَي يَومٍ اُجِلَت) كنت تقول: إذا شبت تبت.
فهذي شهور الصيف عنا قد انقضت لو كان لسيف عن عزيمتك جوهرية لقيك موت الهوى تحت ظبته. كل يوم تضع قاعدة الإنابة ولكن على شفا جرف، كلما صدقت لك في التوبة رغبة، حملت عليها جنود الهوى حملة فانهزمت، إذبح حنجرة بالهوى بسكين العزيمة، فما دام الهوى حيا فلا تأمن من قلب قلبك.
اجعل بكاءك في الدجى شفيعا في الزلل، فزند الشفيع توري نار النجاح. اكتب بمداد الدمع حسن الظن إلى من يحققه، ولا تقنع في توبتك إلا بمكابدة حزن " يعقوب " أو بصبر " يوسف " عن الهوى، فإن لم تطق فبذل إخوته يوم (وَتَصَدق عَلَينا) .
يا معشر الأقوام، هذه مشاعل القبول. يا فارغ البيت من القوت، هذه أيام اللقاط. يا مهجور " كنعان " متى تجد ريح " يوسف " يا سجن " مصر " متى يرى الملك سبع بقرات، يا " ابن يا مين " الفراق متى تسمع نغمات (إِني أَنا أَخوكَ) يا دائم الزلل متى تضع جبهة (وَإِن كُنا لَخاطِئِين) .
اليَومَ عَهدُكُمُ فَأَينَ المَوعِدُ ... هَيهاتَ لَيسَ لِيومِ عَهدِكُمُ غَدُ
إذا وقعت عزيمة الصدق في قلب العبد التائب رضي الملك، فأنسى الملك، ما كتب، وأوحى إلى الأرض: اكتمي على عبدي.