لأيِّ مَرمىً تَزجُرُ الأَيَانِقا ... إِن جاوَزت نَجداً فَلَستَ عاشِقا
وَإِنّما كانَ بُكائي حادِيا ... رَكبَ الغَرامِ وَزفيري سائِقا
واعجبا من الواقفين على مواقف: إن وفقنا!! ثم لا يتعرضون بجناب التوفيق (إِن يُريدونَ إِلاّ فِراراً) .
ويحك: دنت عساغكر البطالة (فَانفِروا خِفافاً وَثِقالاً) خذوا من الدنيا قدر ما يعبر القنطرة، ولعمري: إن ضرورات المعاش تغير وجه المراد، فيتعثر السالك (وَمَن يَتِقِ اللَهَ يَجعَل لَهُ مَخرَجاً) هذا إن جرى القدر بمحبوب أو بمكروه (فَلا يَكُن في صَدرِكَ حَرَجٌ مِنهُ) .
دليل محبته لك في الأزل حراسة توحيده عندك، والتخويف سوط يسوق النفس عن ديار الكسل، وما تظنه تعذيب، ورب تقويم بالكسر، تخريق مكان الحبيب من القميص جعله قميصا، لو لم تذنبوا، صولة الوداد تحفظ أهل الأدب، وإن كان الحب في السويداء.
بكت العيون وأنت طارقها
وُدٌ تَقادَمَ عَهدُهُ فَصَفا ... وَجَديداً ودٍّ لَيسَ يَخلُقُهُ
لما ذاق آدم وحواء من الشجرة دار في دائرة التحير، فضربهما صولجان البعد فهبطا، وضارب الكرة يسعى بنفسه في طلبها، هل من سائل؟ هل من تائب؟
فَلَولا البَعدُ ما حُمِدَ التَداني ... وَلَولا البَينُ ما طابَ التَلاقي
يا قائما في سوق الأرباح: ماذا حصلت؟ يا منقطعا في طريق الوصال: هلا توصلت؟ أتراك اشتغلت بنا أو عنا؟ يا منكر، يا نكير: انزلا إلى الخارج من بساتين الأرباح في دار المعاملة، فانظر أهل استصحب شوكة من الشك، أووردة من اليقين اتنكهها فمه الذي قال ((بَلى) يوم (أَلَستُ) هَل غَيرَّ طيبه طول رقا الغفلة؟ هل أنجاس زلله مما يدخل قليلها تحت العفو؟ هل ثمد ماء توحيده يبلغ قلتين؟ أنا مقيم له على الوفاء بكل حال، فانظر هل حال؟
أَلا حَبَذا نَجدٌ وَطَيبُ تُرابِهِ ... وَأَرواحُهُ إِن كانَ نَجدٌ عَلى العَهدِ
أَلا لَيتَ شِعري عَن عَوارِضَتي قُبا ... بِطُولِ اللَيالي هَل تَغَيرَتا بَعدي
وَعَن عَلَوِيَّات الرِياحِ إِذا جَرَت ... بِريحِ الخُزامى هَل تَمُرُّ عَلى نَجدِ
من تفكر في قرب رحيله تشاغل بالتزود، ولبئس ما صنع بائع نفسه النفسية بالأعراض الخسيسة.
إن الروح في ذاته جوهر لا يتجزأ أو لا يموت، وقدره جوهر لا قيمة له، وإنما آلات البدن خادمة له تعين على السفر له في زجاجة القلب.
نار كالسراج، الحياة ضؤوها، والدم دهنها، والحركة نورها، والشهوة حرارتها، والغضب دخانها، وقد اتخذ من مقدم الدماغ حارسا، ومن وسطه وزيرا، ومن مؤخره حافظا، وجعل العقل استاذا، والحس تلميذا، وفرق الأعضاء في خدمته رجالا وركبانا، وجعل الدنيا له ميدانا يجول فيه في صف حربه لمحاربة أعدائه، فإن غلب، قهر كسرى، وإن غلب فلا أحد.
لما تيقظ تيقظ الأولياء لهذا السفر، خاضوا في ظلمات الطبع يقطعونها بأقدام المجاهدة، فلاح لهم نور الغيب (كُلَما أَضاءَ لَهُم مَشَوا فيه) فإذا هم على باب الوصول، الفقر حليتهم، والليل لذتهم، والخشوع صفتهم.
طال حبسهم في الدنيا، فضجوا إلى الحبيب، فلو انتهبت بالليل سمعت أصوات أهل الحبوس.
يا وُقوفاً ما وَقَفنا ... في ظِلالِ السَلَماتِ
نَتَشاكى ما عِناناً ... بِكَلامِ العَبَرات
أطيار الأشجان في أقفاص الأسرار تصيح من وجدها في الأسحار، كلما هدلت حمائم الشجون هطلت عمائم العيون، فإذا كان حين تتوفاهم الملائكة فتح القفص عن روح تطلب الروح، فتتحير لقرعة (مَن راق) فيهتف به هاتف الوِدادَ (اِرجَعي إلى رَبِكَ) فتنسى مرارة الكأس بحلاوة الخطاب، فتهون شدائد الموت.
فما لجرح إذا أرضاهم ألم يا بعيدا عنهم: أين أنت منهم؟ لا تحسبن الأمر سهلا، نيل سهيل أسهل، أتصقل سيفا ليس في سنحه جوهرية؟ أتحمل صعبا مسنا على الرياضة؟ وهل ينهض البازي بغير جناح.
من لم يهتز بيسير الإشارة، لم ينفعه كثير العبارة، أترى من نبل مواعظي مقرطس؟ بلى ربما وقعت نبلة في قلب حزينن ولم يدر الرامي.
سهم أصاب وراميه بذي سلم