إقدام العارفين على التعبد، قد ألفت أقدامها الصفوف، تعتمد على سنابك الخوف، فإذا أثر النصب راوحت بين أرجل الرجاء.
انقسم القوم عند الموت، فبعضهم صابر الخوف حتى انقضى نحبه. " كعمر " كان يقول عند الرحيل: الويل لعمر إن لم يغفر له.
ومنهم من أقلقه عطش الحذر، فتبرد بماء الرجا، " كبلال " كانت زوجته عند الموت تقول: واكرباه وهو يقول: واطرباه، غدا ألقى الأحبة، محمدا وصحبه، علم بلال أن الإمام لا ينسى المؤذن، فمزج الموت براحة الرجاء.
بَشَّرَها دَليلُها وَقالا ... غَداً تَرينَ الطَلحَ وَالجِبالا
قال " سليمان التيمي " لولده عند الموت: اقرأ علي أحاديث الرخص لألقى الله تعالى وأنا حسن الظن به.
إلى متى تتعب الرواحل ولا بد لها من مناخ:
رِفقاَ بِها يا أَيُها الزاجِرُ ... قَد لاحَ سَلعٌ وَبَدا حاجِرُ
وَخَلِّها تَسحَبُ أَرسانَها ... عَلى الرِبا لا راعَها ذَاعِرُ
وَاذكُر أَحاديثَ لَيالي مِنى ... لا عًدِمَ المَذكورُ وَالذاكِرُ
يا مخنث العزم: أين أنت والطريق نصب فيه " آدم "؟ وناح لأجله " نوح " ورمي في النار " الخليل " واضطجع للذبح " اسحاق " وبيع " يوسف " بدراهم بخس ونشر بالمناشير " زكريا " وذبح الحصور " يحيى " وضني بالبلاء " أيوب " وزاد على القدر بكاء " داود " وتنغص في الملك عيش " سليمان " وتخير بأرني " موسى " وهام مع الوحوش " عيسى " وعالج الفقر " محمد ".
فَيا دَارَها بالحُزنِ إِنَّ مَزارَها ... قَريبٌ وَلَكِن دَونَ ذَلِكَ أَهوالُ
أول قدم في الطريق بذل الروح. هذه الجادة فأين السالك، هذا قميص " يوسف " فأين يعقوب هذا طور سينا فأين " موسى " يا جنيد احضر، يا " شبلي " اسمع.
بِدمِ المُحِبِ يُباعُ وَصلُهُمُ ... فَمَن ذا الَّذي يَبتاعُ بالسِّعرِ
حلل الوجود متلونة الأصباغ تجلى على عرائيس الموجودات لتروق أعين العباد، واعجبا! لو دخلت بين ملك لم تزل تعجب من نقوشه. فارفع بصر التفكر، واخفض عين البصيرة، فهل رأيت أحسن من هذا الكون؟ اخرج من ديار إدبارك، واعبر من معبر اعتبارك، قف في بقاع قاع ترى كيف نمت خضرة حضرته بأسرار الخالق، إذا نمت تلح أصناف النبات في ثياب الثبات، قد برز في عيد الربيع يميس طربا فرحا بالري، تأمل مختلف الألوان في الغصن الواحد، كيف صاغها صانع القدرة؟؟ تلمح إشارتها كيف ترشد الغافلين إلى صانعها؟؟ وهم مشغولون في خضم مأكل الهوى. اسمع الورق على عيدان الورق، لعل مقاطع السجوع توجب رجوع المقاطع.
وَلَقَد أشكو فَما أَفهَمُها ... وَلَقَد تَشكو فَما تَفهَمُني
غَيرَ أني بالجوى أعرِفُها ... وَهيَ أَيضاً بِالجوى تَعرِفُني
واعدجبا كيف تتفكر بالغير وتنسى نفسك؟؟ تأمل بعين الفكر نطفة مغموسة في دم الحيض، ونقاش القدرى يشق سمعها وبصرها من غير مساس، بينما هي ترف في ثوب نطفة اكتست رداء علقة، ثم اكتست صفة مضغة، ثم انقسمت إلى لحم وعظم، فاستترت من يدي الأذى بوقاية جلد، ثم خرجت في صفة طفل، ثم اترقت مراقي الصبي، فتدرجت إلى نطاق النطق، وتشبثت بذيل الفهم، فكم من مصوت صوت بين أرجل التنقل، من تحريك جلاجل العبر، في خلاخل الفكر.
كلما رنت غنت ألسن الهدى في مغاني المعاني، وكيف يسمع أطروش الشقوة؟ هيهات ليس للمزكوم من الورد نصيبن ولا للمسجون من العيد حظ، فإن كنت تعرف هذه العجائب ولا تتعجب منها، فتعجب من عدم تعجبك.
كيف عدمت التفكر مع آلات الفهم، وأعميت بصيرتك بعد رؤيةب الحق، فإن أعجب أفعال القدرة ولقد (أَضَلَهُ اللَهُ عَلى عِلم) .
لطف الحق بعبده قديم، لما أظهر الولد أجرى له عين اللبن تغربل قطرها عيون الثدي، وبذر في قلب الوالدين حب الحب، حتى جدا في اللطف جدا، فلما عرف المنعم أنفق النعم في المعاصي.
وَكَم لَيلَةٍ قَد باتَ عارٍ مِنَ التُقى ... يُغَطيهِ سَترُ الحِلمِ يا لَيتَهُ دَرى
ولما بلغ أشده استوى على ظهر متن المبارزة: لمن؟ مع من؟ إلى أين؟ من أنت؟ من أنا؟.
لَحا اللَهُ مَن لا يَنفَعُ الوُدُّ عِندَهُ