فيالك من جرح تعز مراهمه.
كان عيش عشبة خضرا فأحالت الحال سنة، فكأن أيام الوصال كانت سنة، فكاد يقطع باليأس، حتى التقى الخضر بإلياس.
أَرقى قَد رَقّ لي مِن أَرقى ... وَرثي لي قَلقَي من قَلَقي
وَبُكائي مِن بُكائي قَد بَكى ... وَتَشَكَّت حُرقي مِن حِرقي
كان إذا أراد النياحة نادى مناديه: ألا من أراد أن يسمع نوح داود فليخرج، فتجتمع عليه أهل الأحزان في مأتم الندب، فتزداد الحرق بالتعاون.
يا بَعيدَ الدارِ عَن وَطَنِهِ ... مُغَرداً يَبكي عَلى شَجنِهِ
كُلُما جَد النَحيبُ بِهِ ... زادَت الأَسقامَ في بَدَنِهِ
وَلَقَد زادَ الفُؤادَ شَجىِّ ... طائِرٌ يَبكي عَلى فَنَنِهِ
شاقَهُ ما شاقَنَي فَبَكى ... كُلَّنا يَبكي عَلى سَكَنِهِ
الإخلاص مسك مصون في مسك القلب، ينبه ريحه على حامله، العمل صورة، والإخلاص روح، إذا لم تخلص فلا تتعب، لو قطعت سائر المنازل لم تكن حاجا إلا بشهود الموقف، ولا تغتر بصورة الطاعات، فإن خصم الإخلاص إذا جاء عند حاكم الجزاء ألزم الحبس عن القبول. سوق الإخلاص رائجة رابحة ليس فيها كساد، المخلص يعد طاعاته لاحتقارها عرضا، وقلم القبول قد أثبتها في حيز الجوهر، المخلص مبهرج على الحق بستر الحال، وببهرجته يصح النقد.
لما وصف الرسول صلى الله عليه وسلم للصحابة جمال الخمول من حلة حلية " أويس " عمل معول الشوق في قلب " عمر " فكان في كل عام ينشد بلفظ الطالب، ويسأل عن أهل اليمن.
ألا أيها الرَكبُ اليَمانونَ عَرَجوا ... عَلَينا فَقَد أَمسى هوانا يَمانيا
نِسائِلُكُم هَل سالَ نِعمانُ بَعدَنا ... وَحُبَّ إلينا بَطنُ نِعمانَ وادِيا
فلما لقيه " عمر " قال: من أنت؟ قال: راعي غنم، وأجير قوم، وستر ذكر " أويس ".
الأولياء تحت ستر الخمول ما يعلمهم إلا قليل، فإن عرفتهم بسيماهم فتلمح نقاء الأسرار، لا دنس الثياب (وَلا تَعدُ عَيناكَ عَنهُم) .
كان في " أيوب السختياني " بعض الطول لستر الحال، وكان إذا تحث فرق قلبه وجاء الدمع قال: ما أشد الزكام؟؟!.
أَفدي ظِباءَ فُلاةٍ ما عَرَفنَ بِها ... مَضغَ الكَلامِ وَلا صَبغ الحواجِبِ
كان " إبراهيم بن أدهم " إذا مرض يجعل عند رأسه ما يأكله الأصحاء كيلا يتشبه بالشاكين. هذه والله بهرجة أصح من نقدك.
قَد سَحَبَ الناسُ أّذيالَ الظُنونِ بِنا ... وَفَرَّقَ الناسُ فينا قَولَهُم فِرقا
فَكاذِبٌ قَد رَمى بِالظَنِ غَيرَكُمُ ... وَصادِقٌ لَيس يَدري أَنّهُ صَدَقا
للمؤمن في إخلاصه أحوال، يتصدق بيمنيه فيخفيها عن شماله. كان " النخعي " إذا قرأ في المصحف فدخل عليه داخل غطاه.
وكان " ابن أبي ليلى " يصلي، فإذا دخل عليه أحد نام على فراشه.
قال " الحسن " كان الرجل تأتيه عبرته فيسترها، فإذا خشي أن تسبقه قام من المجلس.
باحَ مَجنونُ عامِرٍ بِهواهُ ... وَكَتَمتُ الهَوى فَمَتَّ بِوجدي
سحقت نافجة مسك المحبة فبثت في محاريب المتعبدين، وليس كل ثوب يعلق به الطيب " رب قائم حظه السهر ".
كما من مراء يتعب في تهجده، فتفض ريجح الرياء أوراق تعبده، فتبقى أغصان العمل كالسلا، وليس للشوك نسيم (فَلَو صَدَقوا اللَهَ لَكانَ خَيرا لَهُم) .
إذا بهرج المنافق على عمل المخلص، فماجت أراييج النفاق، القلوب لجيفته، فذهب عمله جفاء.
واعجبا من أهل الرياء! على من يبهرجون؟ (وَرَبُكَ يَعلَمُ ما تَكِنُ صُدورُهُم) غلب على المخلصين الخشوع، فجاء المرائي يبهرج، فقيل: مهلا، فالناقد بصير، لما أخذ دود القز ينسج جاء العنكبوت يتشبه، فنادى لسان الحال الفاروق:
إِذا اِشتَبهت دُموعُ في خُدودٍ ... تَبينَّ مَن بَكى مِمَّن تَباكى) .
يا مختار القدر، اعرف قدر قدرك، خلقت الأكوان لأجلك، أقبل علي، فإني مقبل، متى رمت طلبي فاطلبني عندك بدليل " وسعني ".
ساكِنٌ في القَلبِ يَعمُرُهُ ... لَستُ أَنساهُ فأَذكُرُهُ