بمعنى العظمة المطلقة، وأمّا تكرارُ التسبيح، فللإشعار بتنزيهه على الإطلاق، وبأن التسبيح ليس إلا متلبسًا بالحمد؛ ليعلم أن الكمال له، نفيًا وإثباتًا معًا جميعًا، أو لأن الاعتناء بشأن التنزيه أكثر من الاعتناء بالتحميد لكثرة المخالفين فيه قال تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف: 106]، ولهذا ورد في القرآن بعبارات مختلفة: بالمصدر: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى} [الإسراء: 1]، وبالماضي: {سَبَّحَ لِلَّهِ} [الحديد: 1]، وبالمضارع: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ} [الجمعة: 1]، وبالأمر: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1]، أو لأن التنزيهات ممّا تُدركه عقولنا؛ بخلاف كمالاته؛ فإن العقول قاصرة عن إدراك حقيقتها؛ كما قاله بعضُ المتكلمين.
وبالجملة: فهذا من جوامع الكلم، وفيه امتثالٌ لقوله تعالى: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} [الحجر: 98]، وتأويلٌ له، وما كان مندوبًا إليه في أواخر المجالس ختم البخاريّ به؛ كمجلس عِلمٍ خُتم، ولا ينافي قولنا هذا ما ذكرناه أوَّلًا في المناسبة: أنه افتتح ببدء الوحي، وأنه انتهى إلى ما به الابتداء؛ فإن الختم بهذا الباب ليس مقصودًا بالذات؛ بل هو لإرادة أن يكون آخر كلامه تسبيحًا وتحميدًا؛ كما أنه ذكر حديث النية أوَّلًا إرادةً لبيان إخلاصه فيه، وفيه الإشعارُ بما كان عليه البخاريُّ في أول أمره وآخره، رحمه الله تعالى، ورضي الله عنه، وعن علماء المسلمين.