إِلَيْهِ بِوَجْهِهِ يَا أُسَامَة بْن زَيْد إياك والكبد الجائعة تخاصمك عِنْد اللَّه يَوْم الْقِيَامَة يَا أُسَامَة بْن زَيْد أَن وَقعت عَيْنَاك عَنْ عُبَاد اللَّه الَّذِين أذابوا لحومهم بالرياح والسمائم وأظمؤا الأكباد حَتَّى غشية أَبْصَارهم الظُّلم سهروا ليلهم خشعًا ركعا يَبْتَغُونَ فضلا مِنَ اللَّه ورضوانا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوههم منْ أثر السُّجُود تعرفهم بقاع الأَرْض تحف بهم الْمَلَائِكَة تحوم حواليهم الطُّيُور تدل لَهُم السبَاع كذل الْكَلْب لأَهله يَا ابْن زَيْد إِن اللَّه تَعَالَى إِذا نظر إِلَيْهِم سر بهم تصرف الزلازل والفتن ثُمّ بَكَى رَسُول الله حَتَّى اشْتَدَّ بكاؤه وهاب الْقَوْم أَن يكلموه حَتَّى ظن الْقَوْم أَن أمرا قَدْ نزل مِنَ السَّمَاء ثُمّ تكلم رَسُول اللَّهِ وَهُوَ حَزِين ثُمّ قَالَ وَيْح هَذِهِ الْأمة مَا يلقى فيهم منْ أطَاع اللَّه كَيفَ يكذبونه ويضربونه ويحبسونه منْ أجل أَنَّهُ أطَاع اللَّه قَالَ إِنَّمَا يعصونهم حَيْثُ أمروهم بِطَاعَة اللَّه ترك الْقَوْم الطَّرِيق ولبسوا اللين مِنَ الثِّيَاب وَخدمَتهمْ أَبنَاء فَارس وتزين الرجل مِنْهُم بزينة الْمَرْأَة وتزينت الْمَرْأَة مِنْهُم بزينة الرجل دينهم دين كسْرَى وَقَيْصَر همتهم جمع الدَّنَانِير وَالدَّرَاهِم فَهُوَ دينهم وسنتهم الْقَتْل تباهوا بالجمال واللباس فَإِذا تكلم وُلّي اللَّه الْغَنِيّ مِنَ التعفف المنحنية أصلابهم مِنَ الْعِبَادَة قَدْ ذَبَحُوا أنفسهم مِنَ الْعَطش رضَا للَّه عَزَّ وَجَلّ كذبُوا وأوذوا وطردوا وحبسوا وَقيل لَهُم أَنْتُم قرناء الشَّيَاطِين ورؤوس الضلال تكذبون بِالْكتاب وتحرمون زِينَة اللَّه والطيبات مِنَ الرزق الَّتِي أخرج لِعِبَادِهِ يَا أُسَامَة بْن زَيْد إِن أقرب النّاس يَوْم الْقِيَامَة منْ طَال حزنه وظمؤه وسهره وفكرته أُولَئِكَ هُمُ الأخيار الْأَبْرَار أَلا أنبئك بصفتهم قَالَ بلي يَا رَسُول الله قَالَ هُمُ الَّذِين إِن شهدُوا لَمْ يعرفوا وَإِن غَابُوا لَمْ يفقدوا وَإِن لَمْ يدعوا وَإِن مرضوا لَمْ يعادوا وَإِن مَاتُوا لَمْ يحرضوا وَإِذَا نظر النّاس إِلَيْهِم قَالُوا مجانين وموسوسون وَمَا بالقوم جُنُون وَلَا وسواس وَلَكنهُمْ شغلوا أنفسهم بحب اللَّه عَزَّ وَجَلّ وَطلب مرضاته يَمْشُونَ عَلَى الأَرْض هونا وَإِذَا خاطبهم الجاهلون قَالُوا سَلاما يبيتُونَ لرَبهم سجدا وقيامًا يأمرون بِالْمَعْرُوفِ وَينْهَوْنَ عَنِ الْمُنكر فيقتلون عَلَى ذَلِكَ يَا أُسَامَة بْن زَيْد كُلّ النّاس منْ كُلّ توع أكلُوا منْ حشيش الأَرْض وثمارها وتوسد النّاس الوسائد والنمارق وتوسدوا اللَّبن وَالْحِجَارَة نعم النّاس بشهواتهم ولذاتهم ونعموا بجوعهم والعطش افترش النّاس لين الْفرش افترشوا الْجنُوب والركب ضحك النّاس مِنَ الْفَرح بكوا هُمْ مِنَ الأحزان تطيب النّاس بالطيب تطيبوا بِالْمَاءِ وَالتُّرَاب بنوا النّاس الْمنَازل والقصور اتَّخذُوا الخراب والفلوات وظلال الشّجر منَازِل ومساجد وَمَقِيلا اتخذ النّاس الْأَبْنِيَة والمجالس متحدثًا تلذذًا وتلهيًا وبطرًا وَاتَّخذُوا الْمُحَارب وَحلق الذّكر وَالْخلْوَة تخشعا وخوفا وتفكيرا وتذكيرًا وتشريفًا أنس النَّاس بِالْحَدِيثِ والاجتماع أنسوا بِذكر اللَّه ومناجاته والوحدة والفرار بدينهم مِنَ النّاس وَهْب النّاس أنفسهم الدُّنْيَا وهبوا هُمْ أنفسهم للآخرة فَوَهَبَهَا لَهُم فباعوا قَلِيلا زائلا واشتروا كثيرا دَائِما يَا أُسَامَة بْن زَيْد لَا يجمع اللَّه عَلَيْهِم الشدَّة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة بل لَهُم الجَنَّة أُولَئِكَ أحباء اللَّه يَا لَيْت إِنِّي قَدْ رَأَيْتهمْ الأَرْض بهم رحبة والجبار عَنْهُمْ رَاض

طور بواسطة نورين ميديا © 2015