وَرَوَى ابنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَا أَطْيَبَكِ مِنْ بَلْدَةٍ وَأَحَبَّكِ إِلَيَّ، وَلَوْلَا أَنَّ قَوْمِي أَخْرَجُوبي مِنْكِ، مَا سَكَنْتُ غَيْرَكِ" (?).
قَالَ الشَّيْخُ عَلِيٌّ الطَّنْطَاوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: . . . وَلقدْ شَرَّقْتُ مِنْ بَعْدُ وَغَرَّبْتُ، وَرَأَيْتُ بِلَادًا لَا أُحْصِيهَا عَدَدًا، فَمَا رَأَيْتُ فِيهَا أَجْمَلَ مِنْ دِمَشْقَ، أَفَهِيَ كَذَلِكَ، أَمْ تَجْمُلُ فِي عَيْنِي لِانَّهَا بَلَدِي، وَكُلُّ إِنْسَانٍ يُؤثِرُ بَلَدَهُ عَلَى سَائِرِ البُلْدَانِ؟ .
لَقَدْ عَرَفْتُ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَمْرِيكَا وَعَاشَ فِي أَكبرِ مُدُنِهَا، وَاسْتَمْتَعَ بِمُنتجَاتِ حَضَارَتِهَا، وَوَسَائِلِ التَّرَفِ فِيهَا، فَمَا أَنْسَتْهُ نُيُوُيورْكُ وَنَاطِحَاتُ السَّحَابِ فِيهَا، مَا أَنْسَتْهُ إِلَّا قَريتَهُ وَبَيْتَهُ المَبْنِيَ مِنَ الخَشَبِ وَاللَّبِنِ، وَكَانَ يُحِسُّ أنّهُ فِي أَمْرِيْكَا غَرِيبٌ، نَزِيلٌ فِي فُنْدُقٍ، مَا شَعَرَ بِالِاسْتِقْرَارِ إِلَّا لَمَّا وَصَلَ القَريَةَ وَوَلَجَ (?) الدَّارَ، وَهَذِي لَعَمْرِي مِنْ حَكِيمِ مَا قَدَّرَ اللَّهُ، وَلَهُ الحِكْمَةُ البَالِغَةُ فِي كُلِّ مَا قَدَّرَ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَاجْتَمَعَ النَّاسُ كُلُّهُمْ فِي مَوَاضِعِ المَالِ وَالجَمَالِ، وَخَرَبَتِ البِلَادُ الفَقِيرَةُ، وَأَقْفَرَتْ (?).