حَضَرَهُ الْمَوْتُ، قَالَ لَهُمَا: اغْسِلَانِي وَكَفِّنَاني، ثُمَّ ضَعَانِي عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ، فَأَوَّلُ رَكْبٍ يَمُرُّ بِكُمْ، قُولُوا: هَذَا أَبُو ذَرٍّ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَأَعِينُونَا عَلَى دَفْنِهِ، فَلَمَّا مَاتَ -رضي اللَّه عنه-، غَسَّلَاهُ وَكَفَّنَاهُ، ثُمَّ وَضَعَاهُ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ، وَأَقْبلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ -رضي اللَّه عنه- في رَهْطٍ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ عُمَّارًا، فَلَمْ يَرُعْهُمْ إِلَّا الْجَنَازَةَ عَلَى ظَهْرِ الطَّرِيقِ، قَدْ كَادَتْ الْإِبِلُ أَنْ تَطَأَ الْجَنَازَةَ، وَقَامَ إِلَيْهِمُ الْغُلَامُ، فَقَالَ: هَذَا أَبُو ذَرٍّ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَأَعِينُونَا عَلَى دَفْنِهِ، فَاسْتَهَلَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ -رضي اللَّه عنه- يَبْكِي، وَيَقُولُ: صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "تَمْشِي وَحْدَكَ، وَتَمُوتُ وَحْدَكَ، وَتُبْعَثُ وَحْدَكَ"، ثُمَّ نَزَلَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ وَدَفنوهُ -رضي اللَّه عنه- (?).
رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ في مُسْنَدِهِ وَابْنُ حِبَّانَ بِسَنَدٍ قَوِيٍّ عَنْ أُمِّ ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا ذَرٍّ الْوَفَاةُ بَكَيْتُ، فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: مَا يُبْكِيكِ؟
قُلْتُ: وَمَا لِي لَا أَبْكِي، وَأَنْتَ تَمُوتُ بِفَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ، وَلَا يَدَ لِي بِدَفْنِكَ، وَلَيْسَ عِنْدِي ثَوْبٌ يَسَعُكَ فَأُكُفِّنَكَ فِيهِ.
فَقَالَ -رضي اللَّه عنه-: فَلَا تَبْكِي وَأَبْشِرِي، فَانِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ: "لَيَمُوتَنَّ رَجُلٌ مِنْكُمْ بِفَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ يَشْهَدُهُ عِصَابَةٌ (?) مِنَ الْمُؤْمِنِينَ".