-صلى اللَّه عليه وسلم- كَانَ يُوَاظِبُ عَلَى الوُضُوءَ لِكُلِّ صلَاةٍ عَمَلًا بِالأَفْضَلِ، وَصَلَّي الصَّلَوَاتِ فِي هَذَا اليَوْمِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ بَيَانًا لِلْجَوَازِ، كَمَا قَالَ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "عَمْدًا صَنَعْتُهُ يَا عُمَرُ".
وَفِي هَذَا الحَدِيثِ جَوَازُ سُؤَالِ المَفْضُولِ الفَاضِلَ عَنْ بَعْضِ أَعْمَالِهِ التِي فِي ظَاهِرِهَا مُخَالفَةً لِلْعَادَةِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَكُونَ عَنْ نِسْيَانٍ فَيَرْجعُ عَنْهَا، وَقَدْ تَكُونَ تَعَمُّدًا لِمَعْنًى خَفِيٍّ عَلَى المَفْضُولِ، فَيَسْتَفِيدَهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ (?).
وَلَمَّا جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فِي المَسْجِدِ خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ -رضي اللَّه عنه- وَجَاءَ بِأَبِيهِ يَقُودُهُ، وَكَانَ قَدْ عَمِيَ، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ -رضي اللَّه عنه-: "هَلَّا تَرَكْتَ فِي بَيْتِهِ حَتَّى أَكُونَ أَنَا آتِيهِ فِيهِ"، وَذَلِكَ إِكْرَامًا لِأَبي بَكْرٍ -رضي اللَّه عنه-، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ -رضي اللَّه عنه-: يَا رَسُولَ اللَّهِ! هُوَ أَحَقُّ أَنْ يَمْشِي إِلَيْكَ مِنْ أَنْ تَمْشِيَ إِلَيْهِ أَنْتَ.
فَأَجْلَسَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ مَسَحَ صَدْرَهُ، وَقَالَ له: "أَسْلِمْ تَسْلَمْ"، فَأَسْلَمَ أَبُو قُحَافَةَ وَالِدُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ -رضي اللَّه عنه-، وَكَانَ رَأْسُ أَبِي قُحَافَةَ وَلحْيَتُهُ يَوْمَ الفَتْحِ كَالثُّغَامَةِ (?) بَيَاضًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "غَيِّرُوا هَذَا بِشَيْءٍ، وَجَنِّبُوهُ السَّوَاد" (?).