قَالَ الحَافِظُ ابنُ كَثِيرٍ: وَالمُرَادُ بِالفَتْحِ في هَذِهِ الآيَةِ هُوَ صُلْحُ الحُدَيْبِيَةِ، فَإِنَّهُ حَصَلَ بِسَبَبِهِ خَيْرٌ جَزِيلٌ، وَآمَنَ النَّاسُ وَاجْتَمَعَ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ، وَتَكَلَّمَ المُؤْمِنُ مَعَ الكَافِرِ، وَانْتَشَرَ العِلْمُ النَّافِعُ وَالإِيمَانُ (?).
وَقَالَ الحَافِظُ في الفَتْحِ: المُرَادُ بِالفَتْحِ هُنَا الحُدَيْبِيَةُ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ مَبْدَأَ الفَتْحِ المُبِينِ عَلَى المُسْلِمِينَ، لِمَا تَرَتَّبَ عَلَى الصُّلْحِ الذِي وَقَعَ مِنْهُ الأَمْنُ، وَرَفْعُ الحَرْبِ، وَتَمَكُّنُ مَنْ يَخْشَى الدُّخُولَ في الإِسْلَامِ، وَالوُصُولَ إِلَى المَدِينَةِ مِنْ ذَلِكَ كَمَا وَقَعَ لِخَالِدِ بنِ الوَليدِ وَعَمْرِو بنِ العَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَغَيْرِهِمَا، ثُمَّ تَبِعَتِ الأَسْبَابُ بَعْضُهَا بَعْضًا إِلَى أَنْ كَمُلَ الفَتْحُ، وَقَدْ ذَكَرَ ابنُ إِسْحَاقَ (?) في المَغَازِي عَنِ الزُّهْرِيِّ قَوْلَهُ: لَمْ يَكُنْ في الإِسْلَامِ فَتْحٌ قَبْلَ فَتْحِ الحُدَيْبِيَةِ أَعْظَمَ مِنْهُ.
وَأَمَّا قَوْلَهُ تَعَالَى في سُورَةِ الفَتْحِ: {وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} (?)، فَالمُرَادُ بِهَا فتحُ خَيْبَرَ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهَا هِيَ التِي وَقَعَتْ فِيهَا المَغَانِمُ الكَثِيرَةُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ رَوَى سَعِيدُ بنُ مَنْصُورٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ في قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا}، قَالَ: صُلْحُ الحُدَيْبِيَةِ، وَغُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ، وتَبَايَعُوا بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ، وَأُطْعِمُوا نَخِيلَ خَيْبَرَ، وَظَهَرَتِ الرُّومُ عَلَى الفُرْسِ (?)، وَفَرِحَ المُسْلِمُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ.