وَشُهُبًا}، ولَمْ يَقُلْ: حُرِسَتْ، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مِنْهُ شَيْءٌ، فلَمَّا بُعِثَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وشُهُبًا، وذَلِكَ لِيَنْحَسِمَ أمْرُ الشَّيَاطِينِ، وتَخْلِيطُهُمْ، ولتَكُونَ الآيَةُ أَبْيَنَ، والحُجَّةُ أقْطَعَ، وإِنْ وُجِدَ اليَوْمَ كَاهِنٌ، فَلَا يَدْفَعُ ذَلِكَ بِمَا أخْبَرَ اللَّهُ بِهِ مِنْ طَرْدِ الشَّيَاطِينِ عَنِ اسْتِرَاقِ السَّمْعِ، فَإِنَّ ذَلِكَ التَّغْلِيظَ والتَّشْدِيدَ كَانَ زَمَنَ النُّبُوَّةِ، ثُمَّ بَقِيَتْ مِنْهُ، أعْنِي مِنِ اسْتِرَاقِ السَّمْعِ بَقَايَا يَسِيرَةٌ بِدَلِيلِ وُجُودِهِمْ عَلَى النُّدُورِ في بَعْضِ الأزْمِنَةِ، وفِي بَعْضِ البِلَادِ (?).
وَقَالَ الحَافِظُ في الفَتْحِ: وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا} فَمَعْنَاهُ الشُّهُبُ كَانَتْ تَرْمِي فَتُصِيبُ تَارَةً ولا تُصِيبُ تَارَةً أُخْرَى، وبَعْدَ البِعْثَةِ أصَابَتْهُمْ إصَابَةً مُسْتَمِرَّةً فَوَصَفُوهَا لِذَلِكَ بالرَّصْدِ، لأَنَّ الذِي يَرْصُدُ الشَّيْءَ لا يُخْطِئُهُ، فيَكُونُ المُتَجَدِّدُ دَوَامُ الإِصَابَةِ لا أصْلُهَا، وَأَمَّا قَوْلُ السُّهَيْلِيِّ: لَوْلَا أَنَّ الشِّهَابَ قَدْ يُخْطِئُ الشَّيْطَانَ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ مَرَّةً أُخْرَى، فَجَوَابُهُ يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ التَّعَرُّضُ مَعَ تَحَقُّقِ الإِصَابَةِ لِرَجَاءَ اخْتِطَافِ الكَلِمَةِ، وإلْقَائِهَا قَبْلَ إصَابَةِ الشِّهَابِ، ثُمَّ لا يُبَالِي المُخْتَطِفُ بِالإِصَابَةِ لِمَا طُبعَ عَلَيْهِ مِنَ الشَّرِّ (?).
فإنْ قِيلَ: إِذَا كَانَ الرَّمْيُ غُلِّظَ وشُدِّدَ بِسَبَبِ نُزُولِ الوَحْي، فَهَلِ انْقَطَعَ