وَهَذِهِ السَّرِيَّةُ هِيَ آخِرُ، وَأَنْجَحُ سَرِيَّةٍ قَامَ بِهَا المُسْلِمُونَ قَبْلَ غَزْوَةِ أُحُدٍ، وَحَدَثَتْ في جُمَادَى الآخِرَةِ مِنَ السَّنَةِ الثَّالِثَةِ لِلْهِجْرَةِ.
وَكَانَ سَبَبُهَا أَنَ قُرَيْشًا بَعْدَ غَزْوَةِ بَدْرٍ، خَافَتْ أَنْ تَسْلُكَ الطَّرِيقَ المُعْتَادَةَ الذِي كَانَتْ تَسْلُكُهُ إلى الشَّامِ قَبْلَ غَزْوَةِ بَدْرٍ، فَقَالُوا -وَقَدِ اقْترَبَ مَوْسِمُ رِحْلَتِهِمْ في الصَّيْفِ إلى الشَّامِ-: إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ عَوَّرَ (?) عَلَيْنَا مَتْجَرَنَا، وَهُوَ عَلَى طَرِيقِنَا، فَمَا نَدْرِي أَيْنَ نَسْلُكُ، فَقَالَ صَفْوَانُ بنُ أُمَيَّةَ: إِنْ أَقَمْنَا بِمَكَّةَ أَكَلْنَا رُؤُوسَ أَمْوَالِنَا، فَلَمْ يَكُنْ لَهَا مِنْ بَقَاءٍ، وَإِنَّمَا حَيَاتنا بِمَكَّةَ عَلَى التِّجَارَةِ.
فَقَالَ الأَسْوَدُ بنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ: أَنَا أَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يَسْلُكُ بِكُمْ طَرِيقَ النَّجْدِيَّةِ -وَهِي طَرِيقٌ طَوِيلَةٌ جِدًّا تَخْتَرِقُ نَجْدَ إلى الشَّامِ، وَتَمُرُّ في شَرْقِيِّ المَدِينَةِ عَلَى بُعْدٍ كَبِيرٍ مِنْهَا، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَجْهَلُ هَذِهِ الطَّرِيقَ كُلَّ الجَهْلِ-.
فَقَالَ صَفْوَانُ بنُ أُمَيَّةَ: مَنْ هَذَا الرَّجُلُ -أَي الدَّلِيلُ؟ .
قَالَ: فُرَاتُ بنُ حَيَّانٍ: مِنْ بَنِي بَكْرِ بنِ وَائِلٍ، فَدَعَوْهُ، فَاسْتَأْجَرُوهُ دَلِيلًا