يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ، فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ"، فَدَمَعَتْ عَيْنَا عُمَرَ -رضي اللَّه عنه- وَقَالَ: اللَّهُ وَرَسُول أَعْلَمُ (?).
قَالَ الحَافِظُ فِي الفَتْحِ: وَفي هَذَا الحَدِيثِ بِشَارَةٌ عَظِيمَةٌ لِأَهْلِ بَدْرٍ لَمْ تَقَعْ لِغَيْرِهِمْ (?).
وَقَدِ اسْتُشْكِلَ قَوْلُهُ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ" فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ لِلْإِبَاحَةِ، وَهُوَ خِلَافُ عَقْدِ الشَّرْعِ، قَالَ الْإِمَامُ الْقُرْطُبِيُّ: وَقَدْ ظَهَرَ لِي أَنَّ هَذَا الخِطَابَ خِطَابُ إِكْرَامٍ وَتَشْرِيفٍ، تَضمَّنَ أَنَّ هَؤُلَاءَ حَصَلَتْ لَهُمْ حَالَة غُفِرَتْ بِهَا ذُنُوبُهُمُ السَّالِفَةُ، وتَأَهَّلُوا أَنْ يُغْفَرَ لَهُمْ مَا يُسْتَأْنَفُ مِنَ الذُّنُوبِ اللَّاحِقَةِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الصَّلَاحِيَةِ لِلشَّيْءِ وُقُوعُهُ، وَقَدْ أَظْهَرَ اللَّهُ صِدْقَ رَسُولِهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فِي كُلِّ مَنْ أَخْبَرَ عَنه بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا عَلَى أَعْمَالِ الجَنَّةِ إِلَى أَنْ فَارَقُوا الدُّنْيَا، وَلَوْ قُدِّرَ صُدُورُ شَيْءٍ مِنْ أَحَدِهِمْ لَبَادَرَ إِلَى التَّوْبَةِ وَلَازَمَ الطَّرِيقَ المُثْلَى، وَيَعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ أَحْوَالِهِمْ بِالقَطْعِ مَنِ اطَّلَعَ عَلَى سِيَرِهِمْ (?).