بِرِوَايَةِ مَنْ يُعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ سَمعَ مِمَّنْ رَوَى عَنْهُ، إِلَّا فِي نَفْسِ الْخَبَرِ الَّذِي فِيهِ ذِكْرُ السَّمَاعِ؛ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ عَنِ الأَئِمَّةِ الَّذِينَ نَقَلُوا الأَخْبَارَ أَنَّهُمْ كَانَتْ لَهُمْ تَارَاتٌ يُرْسِلُونَ فِيهَا الْحَدِيثَ إِرْسَالًا وَلَا يَذْكُرُونَ مَنْ سَمِعُوهُ مِنْهُ، وَتَارَاتٌ يَنْشَطُونَ فِيهَا فَيُسْنِدُونَ الْخَبَرَ عَلَى هَيئَةِ مَا سَمِعُوا، فَيُخْبِرُونَ بِالنُّزُولِ فِيهِ إِنْ نَزَلُوا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

وقولُه: (بروايةِ مَن يُعْلَمُ) متعلِّقٌ بالاحتجاج؛ أي: لَزمَه بمقْتَضَى قولي وموجَبِ زعمه الفاسدِ تركُ الاحتجاج والاستدلال برواية مَنْ يُعْلَمُ (أنَّه قد سَمعَ مِمَّنْ) أي: من شيخهِ الذي (رَوَى عنه) مشافهةً.

والاستثناء في قوله: (إلَّا في نَفْسِ الخَبَرِ) مُفَرَّغٌ، والجار والمجرورُ متعلِّقٌ بـ (تَرْكُ) أي: تَرْكُ الاحتجاج بروايتِه المعنعنة إلّا في نَفْسِ الخبرِ والحديثِ (الذي فيه) أي: في ذلك الخبر (ذِكرُ السَّمَاعِ) أي: ذِكْرُ سماعه من شيخه والتصريحُ به.

وقولُه: (لِمَا بيَّنَّا مِنْ قَبْلُ) علَّةٌ لمحذوفٍ تقديرُه: وإنما قلنا: لزمَه في حديثِ راوٍ واحدٍ الاحتجاجُ بحديثه إذا صرَّحَ بالسَّماع؛ وتَرْكُه إذا لم يُصَرِّحْ بالسماع لما بيّنّا وذكَرْنا من قبل هذا المكان من الحالات الواقعةِ (عن الأئمَّةِ الذين نقلوا الأخبارَ) والعاداتِ الجاريةَ على ألسنتهم مِنْ (أنَّهم كانتْ لهم تاراتٌ) وجملة أن المفتوحة في محل الجرِّ بمن البيانية سِيقت لبيانِ ما الموصولةِ في قوله: (لِمَا بيَّنَّا)؛ لأن حذف الجارِّ مع أن وأَنْ مُطَّرِد كما هو القاعدةُ عندهم.

أَي: مِنْ أنهم كانتْ لهم حالاتٌ ليس لهم فيها نشاطٌ فـ (يُرْسِلُون فيها) أي: فيَرْوون في تلك الحالات (الحديثَ إرْسالًا) أي: روايةً مرسلةً أي: منقطعةً (ولا يَذْكُرُون) فيها (مَنْ سَمِعُوه منه) أي: مَنْ سَمِعُوا الحديثَ منه، وعَطْفُ جملة (لا يَذْكُرون) على (يُرْسِلُون) للتفسير.

(و) كانت لهم (تاراتٌ) أي: حالاتٌ (يَنْشَطُون فيها) أي: يَجِدُون فيها خِفَّةً

ونشاطًا (فيُسْنِدُونَ الخَبرَ) أي: فيَرْوُون فيها الخبر والحديث روايةً مسندةً (على هَيئَةِ ما سمِعُوا) أي: على صفة ما سمعوه من غير إرسالٍ ولا إسقاطِ راوٍ.

وقوله: (فيُخْبِرُون) معطوفٌ على يُسْنِدون؛ أي: فَيُخْبرُونَ الحديثَ (بالنُّزُولِ) والإسنادِ والإتمامِ (فيه) في سَنَدِه بلا إسقاط راوٍ (إنْ نَزَلُوا) أي: إنْ أَرادوا النُّزول والاتمامَ في السَّنَد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015