فَأَمَّا مَنْ تَرَاهُ يَعْمِدُ لِمِثْلِ الزُّهْرِيِّ فِي جَلالتِهِ وَكَثْرَةِ أَصْحَابِهِ الْحُفَّاظِ الْمُتْقِنِينَ لِحَدِيثِهِ وَحَدِيثِ غَيرِهِ،

ـــــــــــــــــــــــــــــ

والفاءُ في قوله: (فأمَّا مَنْ تَرَاهُ يَعْمِدُ لِمِثْلِ الزُّهْرِيِّ) فاءُ الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جوابِ شرطٍ مقدرٍ تقديره: إِذا عرفتَ قبولَ ما تَفَرَّدَ به المُحَدِّثُ بالشرط المذكور، وأردتَ بيانَ حُكْمِ ما تفَرَّدَ به مع عدم الشرط المذكور .. فأقول لك: أمَّا مَنْ تَرَاهُ ... إِلخ، فـ (مَنْ) مبتدأُ سيأتي خبرُه بقوله: (فغيرُ جائزٍ قبولُ حديثِ هذا الضَّرْبِ)، و (ترى) علميةٌ لا بصريةٌ، ويُقال: عَمَدَ الشيءَ وإِلى الشيء، من باب ضرَبَ، إِذا قَصَدَ فِعْلَه، ومِثْلُ الشخصِ: نظيرُه في العلم والفَضْل.

والزُّهْرِيُّ: هو محمد بن مسلم بن عُبَيد الله بن عَبْد الله بن شِهاب بن عبد الله بن الحارث بن زُهْرة بن كِلاب القُرَشِي الزُّهْري، أبو بكر المدني، أحدُ الأئمة الأعلام، وعالمُ الحجاز والشام، تابعيٌّ صغيرٌ، منسوبٌ إِلى زُهْرة بن كلاب.

روى عن ابن عُمر وسهل بن سعد وأنس بن مالك ومحمود بن الربيع وابن المُسَيِّب وخَلْقٍ، ويروي عنه (ع) وأبانُ بن صالح وأيوبُ وابنُ عُيَينة وابنُ جُرَيج واللَّيثُ ومالكٌ وخلائقُ.

قال ابنُ المَدِيني: له نحو ألفي حديث.

وقال ابن شهاب: ما استودعتُ قلبي شيئًا قطّ فنسيتُه.

وقال أيوب: ما رأيتُ أعلمَ من ابن شهاب.

وقال في "التقريب": حافظٌ مُتْقِنٌ متَّفَقٌ على جلالتِه وإِتقانِه، وهو من رؤوس الطبقة الرابعة، مات سنة خمس وعشرين ومائة.

ومِن أمثالِهِ: الحَسَنُ البصريُّ، ومحمدُ بن سيرين.

والمعنى: أمَّا المُحَدِّثُ الذي تراه وتعلمه يَعْمِدُ ويقصدُ أن يرويَ عمَّنْ هو مِثْلُ الزُّهْري (في جلالتهِ) وفَضْلِه وعلمِه (و) في (كَثْرَةِ أصحابه) الذين يَرْوُون عنه.

وقولُه: (الحُفَّاظِ) صفة أُولى للأصحاب؛ أي: أصَحابِه الموصوفين بالحفظِ والضَّبْطِ للأخبار، وقولُه: (المُتْقِنِينَ) صفةٌ ثانيةٌ لهم؛ أي: الموصوفين بالإِتقان والتحقيق (لحديثهِ) أي: للحديثِ الذي رَوَوْه عن الزُّهْري (و) لـ (حديثِ غيرهِ)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015