عَنْ دَرَجَتِهِ، وَلَا يُرْفَعُ مُتَّضِعُ الْقَدْرِ فِي الْعِلْمِ فَوْقَ مَنْزِلَتِهِ، وَيُعْطَى كُلُّ ذِي حَقٍّ فِيهِ حَقَّهُ، وَيُنَزَّلُ مَنْزِلَتَهُ. وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ تعالى عَنْهَا أَنَّهَا قَالتْ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُنَزِّلَ الناسَ مَنَازِلَهُمْ،

ـــــــــــــــــــــــــــــ

وقولُه: (عَنْ دَرَجَتِهِ) ومنزلتِه متعلِّقٌ بـ (يُقَصَّرُ) أي: لا يُحَطُّ ذلك الإِسنادُ عن عالي درجتِه وقُوَّتِه؛ لوجودِ سِمَةِ القُوَّةِ فيه (ولا يُرْفَعُ) أي: ولا يُعْلَى ويُقَوَّى إِسنادٌ ذُكِرَ فيه شخصٌ (مُتَّضِعُ القَدْرِ) والمنزلةِ والدرجةِ؛ أي: وَضِيعُ القَدْرِ وناقصُه (في) هذا (العِلْمِ) والفَنِّ بقلَّةِ الإِتقان والضبط والاستقامة.

وقولُه: (فوقَ منزلتِه) متعلِّقٌ بـ (يُرْفَعُ)؛ أي: لا يُرْفَعُ ولا يُعْلَى ذلك الإِسنادُ فوقَ منزلتهِ ودرجتهِ، بل هو على ضعفه لوجودِ سِمَة الضعف فيه (ويُعْطَى كُلُّ ذي حَقٍّ) ومرتبةٍ (فيه) أي: في هذا العلم من عالي القَدْر ومُتَّضِعِه (حَقَّهُ) أي: ما يَسْتَحِقُّه من قُوَّةِ إِسنادٍ أو ضَعْفِه، (ويُنَزَّلُ) أي: يُبَوَّأُ كُلُّ ذي حَقٍّ منهما ويُعْطَى (منزلتَه) ودرجتَه من الإِتقان والاستقامة وضِدِّهما.

(و) إِنما نُزِّلَ كُلُّ ذي حَقٍّ منزلتَه لِمَا (قد ذُكِرَ) ورُويَ (عن عائشةَ) الصِّدِّيقةِ أُمِّ المؤمنين أُمِّ عبد الله (رَضِيَ اللهُ) سبحانه و (تعالى عنها) أي: قَبِلَ اللهُ سبحانه وتعالى حسناتِها عنها وجازاها عليها (أنها قالتْ: أَمَرَنَا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه) وعلى آلِهِ (وَسَلَّمَ أَنْ نُنَزِّلَ الناسَ) أي: آحادَهم في الحقوقِ وبعضِ الأحكامِ؛ أي: إلا فيما قام الدليلُ على وجوب التسوية بينهم فيه كالحدودِ والقِصَاص وشِبْهِ ذلك (مَنَازِلَهُمْ) ومراتبَهم فيُعْطَى كُلُّ ذي حَقٍّ حَقَّه؛ أي: كُل ذي رفعةٍ رِفْعَتَه، وكُلُّ ذي ضَعَةٍ ضعتَه، لا فوقَه ولا دُونَه؛ لأن هذا هو العَدْلُ الواجبُ علينا بقوله تعالى: {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}.

قال القرطبي: (واستدلالُ مسلمٍ بهذا الحديث يَدُلُّ ظاهرًا على أنه لا بأس به، وأنه ممَّا يُحْتَجُّ به عنده، وإِنما لم يُسْنِدْه في كتابه لأنه ليس على شَرْطِ كتابه، وقد أسنده أبو بكرٍ البَزَّارُ في "مسنده" عن ميمون بن أبي شَبيب، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: لا يُعْلَمُ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم إِلا من هذا الوجه، وقد رُويَ عن عائشة من غير هذا الوجه موقوفًا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015