أَصْبَحْتُ أَبْكِي. وَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ حِينَ اسْتَلْبَثَ الْوَحْيُ. يَسْتَشِيرُهُمَا فِي فِرَاقِ أَهْلِهِ. قَالَتْ: فَأَمَّا أُسَامَةُ بْنُ زيدٍ فَأَشَارَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالَّذِي يَعْلَمُ مِنْ بَرَاءَةِ أَهْلِهِ، وَبِالَّذِي يَعْلَمُ فِي نَفْسِهِ لَهُمْ مِنَ الْوُدِّ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هُمْ أَهْلُكَ وَلاَ نَعْلَمُ إِلاَّ خَيْرًا. وَأَمَّا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: لَمْ يُضَيِّقِ اللهُ عَلَيْكَ. وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تلك الليلة لا يرقأ لي دمع حتى (أصبحت أبكي ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد) بن حارثة حين استلبث الوحي أي أبطأ وتأخر نزوله حالة كونه (يستشيرهما في فراق أهله) تعني نفسها (قالت) عائشة: (فأما أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله) مما يقوله أهل الإفك (وبالذي يعلم) ويعتقد (في نفسه) أي في قلبه (لهم) أي لأهله صلى الله عليه وسلم متعلق بيعلم وقوله: (من الود) بيان للموصول (فقال) أسامة: (يا رسول الله هم أهلك) العفائف اللائقات بك، وعبّر بالجمع إشارة إلى تعميم أمهات المؤمنين بالوصف المذكور أو أراد تعظيم عائشة (ولا نعلم) فيهم (إلَّا خيرًا) أي براءة مما يقوله الناس، ومعنى (هم أهلك) أي أن عائشة رضي الله تعالى عنها عفيفة لائقة بأن تكون أهلك، ووقع في بعض الروايات (أهلك) بالنصب بدون (هم) فهو مفعول لمحذوف تقديره أمسك أهلك ولا تسمع فيها أحدًا (وأما علي بن أبي طالب فقال): يا رسول الله (لم يُضيّق الله عليك والنساء سواها كثير) بلفظ التذكير على إرادة الجنس وفعيل يستوي فيه المذكر والمؤنث إفرادًا وجمعًا، وقال ذلك لما رأى منه صلى الله عليه وسلم من شدة القلق فرأى أن بفراقها يسكن ما عنده بسببها فإذا تحقق براءتها فيراجعها اه قسطلاني.
قال النووي: هذا الذي قاله علي رضي الله عنه هو الصواب في حقه لأنه رآه مصلحة ونصيحة للنبي صلى الله عليه وسلم في اعتقاده ولم يكن ذلك في نفس الأمر لأنه رأى انزعاج النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الأمر وتقلقله فأراد إراحة خاطره وكان ذلك أهم من غيره، وقال الحافظ في الفتح: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم شديد الغيرة فرأى علي أنه إذا فارقها سكن ما عنده من القلق بسببها إلى أن يتحقق براءتها فيمكن رجعتها، وقال ابن أبي جمرة: لم يجزم علي بالإشارة بفراقها لأنه عقب ذلك بقوله: