فَلَمْ يَسْتَنْكِرِ انقَوْمُ ثِقَلَ الْهَوْدَجِ حِينَ رَحَلُوهُ وَرَفَعُوهُ. وَكُنْتُ جَارِيةً حَدِيثَةَ السِّنِّ. فَبَعَثُوا الْجَمَلَ وَسَارُوا. وَوَجَدْتُ عِقْدِي بَعْدَمَا اسْتَمَرَّ الْجَيْشُ. فَجِئْتُ مَنَازِلَهُمْ وَلَيْسَ بِهَا دَاعٍ وَلاَ مُجِيبٌ. فَتَيَمَّمْتُ مَنْزِلِي الَّذِي كُنْتُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يقال فلان لا يأكل إلَّا علقة أي إلَّا ما يُمسك نفسه ويسد رمقه، قال القرطبي: كان المراد بها الشيء القليل الذي يسكت الرمق ويقال له البلغة أيضًا والحاصل أن النساء وقتئذٍ كن لا يأكلن الكثير من الطعام فكن خفيفة الوزن فكانت عائشة رضي الله تعالى عنها كذلك فلما حمل الهودج أصحابه لم يشعروا بأنها ليست جالسة فيه وظنوا أنها فيه فرحلوا (فلم يستنكر القوم) الذين حملوا الهودج (ثقل الهوج) أي لم يشعروا عدم ثقله ولم ينتبهوا له (حين رحلوه) أي حين حملوه (ورفعوه) على البعير وشدوه عليه، قالت عائشة: (وكنت) أنا (جارية) أي بنتًا (حديثة السن) أي قليلة العمر وإنما بلغت حينئذٍ ذاك خمس عشرة سنة، ولعلها أشارت بذلك إلى خفة وزنها أو إلى بيان عذرها فيما فعلته من الحرص على العقد ومن استقلالها بطلبه في تلك الحال وترك إعلام أهلها بذلك. قوله: (ولم يستنكر القوم ثقل الهودج) وفي رواية البخاري (فلم يستنكر القوم خفة الهودج) وهي أوضح لأن مرادها إقامة عذرهم في تحميل هودجها وهي ليست فيه فكأنها تقول كانت لخفة جسمها بحيث إن الذين يحملون هودجها لا فرق عندهم بين وجودها فيه وعدمها اه قسطلاني. قوله: (وكنت جارية حديثة السن) قال القسطلاني: لأنها إذ ذاك لم تبلغ خمس عشرة سنة أي إنها مع نحافتها صغيرة السن ففيه إشارة إلى المبالغة في خفتها أو إلى بيان عذرها فيما وقع منها من الحرص على العقد الذي انقطع واشتغلت بالتماسه من غير أن تعلم أهلها بذلك وذلك لصغر سنها وعدم تجاربها بالأمور (فبعثوا الجمل) أي أثاروه (وساروا) به أي وهم يظنون أنها عليه (ووجدت) أي رأيت (عقدي) أي قلادتي (بعدما استمر الجيش) هو استفعل من مر أي بعدما طال وبعُد مرورهم وذهابهم عني (فجئت) أنا (منازلهم) بصيغة الجمع أي منازل الجيش التي كانوا نازلين بها أولًا (وليس بها) أي والحال أنه ليس فيها (داع) أي مناد ينادي لضائعهم وطالب لمن بقي منهم فيها (ولا مجيب) لذلك المنادي من الضائعين الذين بقوا فيها، والمعنى أنه ليس فيها طالب ولا مطلوب، وفي رواية فليح عند البخاري (وجئت منزلهم وليس فيه أحد) قالت عائشة: (فتيممت) أي قصدت النزول والجلوس في (منزلي الذي كنت) نازلًا