فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - «اجْمَعُوا لَهَا». فَجَمَعُوا لَهَا مِنْ بَيْنِ عَجْوَةٍ وَدَقِيقَةٍ وَسَوِيقَةٍ، حَتَّى جَمَعُوا لَهَا طَعَامًا، فَجَعَلُوهَا فِي ثَوْبٍ، وَحَمَلُوهَا عَلَى بَعِيرِهَا، وَوَضَعُوا الثَّوْبَ بَيْنَ يَدَيْهَا قَالَ لَهَا «تَعْلَمِينَ مَا رَزِئْنَا مِنْ مَائِكِ شَيْئًا، وَلَكِنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِى أَسْقَانَا». فَأَتَتْ أَهْلَهَا، وَقَدِ احْتَبَسَتْ عَنْهُمْ قَالُوا مَا حَبَسَكِ يَا فُلاَنَةُ قَالَتِ الْعَجَبُ، لَقِيَنِى رَجُلاَنِ فَذَهَبَا بِى إِلَى هَذَا الَّذِى يُقَالُ لَهُ الصَّابِئُ، فَفَعَلَ كَذَا وَكَذَا، فَوَاللَّهِ إِنَّهُ لأَسْحَرُ النَّاسِ مِنْ بَيْنِ هَذِهِ وَهَذِهِ. وَقَالَتْ بِإِصْبَعَيْهَا الْوُسْطَى وَالسَّبَّابَةِ، فَرَفَعَتْهُمَا إِلَى السَّمَاءِ - تَعْنِى السَّمَاءَ وَالأَرْضَ - أَوْ إِنَّهُ لَرَسُولُ اللَّهِ حَقًّا، فَكَانَ الْمُسْلِمُونَ بَعْدَ ذَلِكَ يُغِيرُونَ عَلَى مَنْ حَوْلَهَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَلاَ يُصِيبُونَ الصِّرْمَ الَّذِى هِىَ مِنْهُ، فَقَالَتْ يَوْمًا لِقَوْمِهَا مَا أُرَى أَنَّ هَؤُلاَءِ الْقَوْمَ يَدَعُونَكُمْ عَمْدًا، فَهَلْ لَكُمْ فِي الإِسْلاَمِ فَأَطَاعُوهَا فَدَخَلُوا فِي الإِسْلاَمِ.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

(فقال -صلى الله عليه وسلم-: أجمعوا لها. فجمعوا لها ما بين عجوة) -بفتح العين- نوع من التمر (دقيقه وسويقه) -بفتح الدال والسين- ويجوزُ على بناء المصغر (قال لها تعلمين ما رزأنا من مائك شيئًا) -بالراء المهملة ثم المعجمة -أي: نقصنا (فأتت أهلها، وقد احتبست عنهم) أي: عن الوقت المتعارف لأنهم عدلوا بها عن طريقها.

(هذا الذي يقال له: الصابئ ففعل كذا وكذا) كناية عما رأته مما فعل بمائها (فكان المسلمون يغيرون بعد ذلك على من حولها) -بضم الياء- من الإغارة، ويجوزُ الفتح فيه (ولا يصيبون الصرم الذي هي منه) -بكسر الصاد- قال ابن الأثير: جماعة ينزلون ناحية من الماء بإبلهم (فقالت يومًا لقومها: ما أرى هؤلاء يدعونكم عَمدًا) -بضم الهمزة- وما: موصولة، أي: الذي أظن أن هؤلاء يدعونكم عمدًا، لعلكم تسلمون. وفي بعض النسخ: ما أدري، والمعنى قريب من الأول، ويجوزُ أن تكون (ما) نافية، والمعنى: لا أرى وجه تخلفكم عن الإِسلام مع أن هؤلاء إنما يدعونكم. وعن أبي البقاء جواز كسر إن على الاستئناف. أي: لا أدري لماذا تخلفكم؟ ثم استأنفت الكلام على وجه التعليل إن هؤلاء يدعونكم عمدًا.

وفي الحديث الإرشاد إلى المحافظة على العهد والذمام وإن كان مع الكافر، وأن الرفق وحسن الخلق محمود في المواطن كلها. وأما أخذ مائها وصرفها عن مقصدها فلا إشكال فيها, لأنها حربية بلغتها الدعوة. ألا ترى كيف قالت: الذي يقال له: الصابئ. فلا وجه لما يقال: الضرورات تبيح المحظورات. وبين فقه الحديث تقديم المحتاج إلى الماء للشرب على الوضوء والغسل، ومن أصاب ذنبًا في بلدٍ يحسن له الارتحال منه، واستدل بقوله: نودي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015