إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -. قَالَتِ الَّذِى يُقَالُ لَهُ الصَّابِئُ قَالاَ هُوَ الَّذِى تَعْنِينَ فَانْطَلِقِى. فَجَاءَا بِهَا إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَحَدَّثَاهُ الْحَدِيثَ قَالَ فَاسْتَنْزَلُوهَا عَنْ بَعِيرِهَا وَدَعَا النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - بِإِنَاءٍ، فَفَرَّغَ فِيهِ مِنْ أَفْوَاهِ الْمَزَادَتَيْنِ - أَوِ السَّطِيحَتَيْنِ - وَأَوْكَأَ أَفْوَاهَهُمَا، وَأَطْلَقَ الْعَزَالِىَ، وَنُودِىَ فِي النَّاسِ اسْقُوا وَاسْتَقُوا. فَسَقَى مَنْ شَاءَ، وَاسْتَقَى مَنْ شَاءَ، وَكَانَ آخِرَ ذَاكَ أَنْ أَعْطَى الَّذِى أَصَابَتْهُ الْجَنَابَةُ إِنَاءً مِنْ مَاءٍ قَالَ «اذْهَبْ، فَأَفْرِغْهُ عَلَيْكَ». وَهْىَ قَائِمَةٌ تَنْظُرُ إِلَى مَا يُفْعَلُ بِمَائِهَا، وَايْمُ اللَّهِ لَقَدْ أُقْلِعَ عَنْهَا، وَإِنَّهُ لَيُخَيَّلُ إِلَيْنَا أَنَّهَا أَشَدُّ مِلأَةً مِنْهَا حِينَ ابْتَدَأَ فِيهَا،

ـــــــــــــــــــــــــــــ

المقيد على المطلق؛ إذْ معلوم أنّ ليس غرضُها أن رجال قومها ما دون العشرة (الذي يقال له الصابئ) -بالهمز- من صبأ: إذا خَرَج من دين إلى آخر. ويقال: صبا يصبو إذا مال. (هو الذي تعنين) أي الذي يقال له ذلك، ولم يزجراها عن هذا الكلام لأنها مشركة جاهلة، وليس لذلك فائدة في الحال (ودعا النبي - صلى الله عليه وسلم - بإناء فأفرغ فيه من أفواه المزادتين) جمع الأفواه كراهةَ اجتماع تثنيتين، كما في صغت قلوبكما (وأوكأ أفواههما، وأطلق العَزَالي) -بفتح العين والزاي وكسر اللام-: جمع عزلاء -بفتح العين والمدّ- قال الجوهري: هو فم المزادة الأسفل.

فإن قلت: لم أفرغ أولًا من الأفواه ثم من العزال؟ قلت: القوم كانوا عطاشًا، فبادر إلى دفع ذلك سريعًا، ولما قضى ذلك الوطر أطلق العزال لأنه أسهل (نودي في النَّاس: اسقوا واستقوا) فعال من السقي، يقال، استقى الماء إذا أخذ لنفسه، وسقى أي: غيره ويقال فيه أَيضًا: أسقى بهمزة القطع. قرئ بهما (فكان آخر ذلك أن أعطى الذي أصابته الجنابة) انتصب آخر خبر كان، واسمه: أن أعطى (وايم الله) بالقطع والوصل، والثاني أكثر. أصل أيمن خفف بحذف النُّون لكثرة الاستعمال، ولذلك سقطت همزته في الدَّرْج، وقد ذكروا فيه نحوًا من عشرين لغةً (لقد أقلع عنها) على بناء المجهول، أي: كفّ عن أخذ الماء. (وإنه ليخيل إلينا أنها أشدّ مِلأة) يخيل على بناء المجهول، ومِلأة -بكسر الميم وفتحها -أي: أشدّ امتلاءً. وهذا من باهر معجزاته - صلى الله عليه وسلم - وهو نَصٌّ في أن لم يأخذ من مائها قطرة بل زادها.

وقد أورد الإشكال وأجابوا خطأ وصوابًا مع أنَّه لا دلالة للفظ عليه أصلًا. الإشكال: أن المرأة كانت حربية، ومجرد الاستيلاء يوجب إرقاقها فكيف أطلقت ولا إشكال فيه, لأن للإمام فضلًا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يمن على الأسير بنص القرآن. قال تعالى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد: 4].

طور بواسطة نورين ميديا © 2015