بالنيات"؛ فإنه لم يَرْوه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا عمرُ. فأجاب بأن عُمر خَطَب بالحديث على المنبر، فلو لم يكن الصحابة عارفين به لَرَدُّوا عليه، وهذا مع ظهور فساده لو سُلِّم له في عُمر لا يُجْدِيْهِ نفعًا؛ لأنه لم يروه عن عمر إلا علقمةُ، ولا عن علقمةَ إلا محمدُ بن إبراهيم، ولا عن محمد بن إبراهيم إلا يحيى بن سعيد.
فإن قلتَ: ما موضوع علم الحديث؛ فإن تمايُزَ العلوم إنما يكون بتمايُز الموضوعات. فإن علم الفقه إنما امتاز عن علم أصوله: بأن هذا يَبحث عن أفعال المكلفين من حيثُ تصحّ وتفسُد، وذلك يُبحثُ عن الأدلة الموصلة إليه إجمالًا؟ قلت: ذكروا أن موضوعه ذاتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من حيث إنه رسولٌ. وهذا غلطٌ؛ إذ لا بحث في علم الحديث عما يَلْحَقُ ذاتَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بل عما يَلْحق أقوالَهُ وأفعالَهُ من الاصال والانقطاع، والوقف والرفع وغير ذلك.
ألاَ ترى أنهم يقولون: الحديث الصحيح ما رواه عَدْلٌ ضابطٌ عن عدل ضابط إلى منتهاه، ثم يقولون: حديث: "إنما الأعمال بالنيات" صحيحٌ؛ لأنه داخلٌ تحت ذلك القانون؟. وهذا كتراكيب القرآن لعلم القراءة، وتراكيب البُلَغاء لعلم البلاغة؛ إذ لا يقول أحدٌ بأن موضوعَ علم القراءة ذاتُ الله، ولا إن موضوع علم البلاغة ذاتُ امرئ القيس وغيره من العرب العَرْباء. وليس ما في البخاري ومسلم من متون الأحاديث من علم الحديث في شيء، بل هو كالقرآن في المصاحف، غيرَ أنه مسنَدٌ لعدم تواتره، بخلاف القرآن.
وللعلماء في علم الحديث كتبٌ مُدَوَّنةٌ؛ منها: كتابُ ابن الصلاح، وألفيةُ العراقي وغيرها.
واعلم أن لي برواية الكتاب أسانيدَ كثيرةً من فضل الله أتقنها ما أخبرنا به شيخُنا أبو الفضل بنُ حجر بالديار المصرية سنة خمسٍ وثلاثين وثمانمئة بقراءتي عليه إلى (بَدْء الخلق) وأجاز بالباقي.
قال: أخبرنا السيد عفيف الدين أبو محمد بن عبد الله بن محمد النيسابوري ثم المكي بها قراءة عليه، ونحن نسمَعُ، وأجازه بما فاتني منه.
قال: أخبرنا بجميعه الإمامُ رضي الدين إبراهيمُ بن محمد بن أبي بكر الطبري إمامُ المقام.