وَلَوْ أَنِّى اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِى مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا أَهْدَيْتُ، وَلَوْلاَ أَنَّ مَعِى الْهَدْىَ لأَحْلَلْتُ». فَقَامَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هِىَ لَنَا أَوْ لِلأَبَدِ فَقَالَ «لاَ بَلْ لِلأَبَدِ». قَالَ وَجَاءَ عَلِىُّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ - فَقَالَ أَحَدُهُمَا يَقُولُ لَبَّيْكَ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -. وَقَالَ وَقَالَ الآخَرُ لَبَّيْكَ بِحَجَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَمَرَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُقِيمَ عَلَى إِحْرَامِهِ، وَأَشْرَكَهُ فِي الْهَدْىِ. طرفاه 1085، 1557
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الدلالة هنا قوله في آخر الحديث: (وأشركه في الهدي) أي: أشرك عليًّا، هذا ونشير إلى مواضع منه:
(قدم صبح رابعة من ذي الحجة) وكان خروجه من المدينة لخمس بقين في ذي القعدة (لا يخلطهم شيء) أي: لم يخطر ببالهم من أمر العمرة شيءٌ؛ بل كانوا لا يرون إلا الحج (ففشت في ذلك القالة) مصدر قال؛ أي: كثر في ذلك القول؛ أي: في شأن العمرة، لما أمرهم بفسخ الحج وإنشاء العمرة كرهوا ذلك (فقال جابر بكفه) أي: أشار بكفه إلى أنه يمسك المني الذي يقطر في كفه وإنّ قال يطلق على كل فعل؛ لاشتراكهما في الدلالة (ولو أني استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي) هذا ظاهر في أن سوق الهدي كان عن اجتهاد، ولا دلالة فيه على أنه لم يكن عالمًا في أول الأمر بجواز العمرة في أشهر الحج (فقال أحدهما) أي: عطاء أو طاوس (وأشركه في الهدي) قيل: المراد الهدي الذي قدم به علي من اليمن؛ لما سيأتي في كتاب المغازي أن عليًّا قدم من اليمن ومعه الهدي، فأشركه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك الهدي؛ لأن الهدي الذي ساقه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معه لا يجوز الاشتراك فيه؛ فضمير الفاعل في أشركه لعلي، فقول البخاري: "أشرك الرجل الرجل في هديه بعدما أهدى" ليس بصواب.
وأنا أقول: هذا الذي قالوه ليس بصواب؛ وذلك أن الإشراك في الهدي بعد التقليد والإشعار جائز إذا لم يكن نذرًا، ونظيره ما إذا اشترى قطيعًا من الغنم للأضحية فله أن يهب بعضها، وأن يشرك معه آخر، وما يقال: أشركه في ثواب الهدي لا أنه ملكه، فشيء لا يعقل؛ لأن ثواب الأعمال لا يكون لهما إلا في الصدقة والدعاء والإعتاق.