قَالَ انْطَلَقَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الْمَدِينَةِ، بَعْدَ مَا تَرَجَّلَ وَادَّهَنَ وَلَبِسَ إِزَارَهُ وَرِدَاءَهُ، هُوَ وَأَصْحَابُهُ، فَلَمْ يَنْهَ عَنْ شَىْءٍ مِنَ الأَرْدِيَةِ وَالأُزْرِ تُلْبَسُ إِلاَّ الْمُزَعْفَرَةَ الَّتِى تَرْدَعُ عَلَى الْجِلْدِ، فَأَصْبَحَ بِذِى الْحُلَيْفَةِ، رَكِبَ رَاحِلَتَهُ حَتَّى اسْتَوَى عَلَى الْبَيْدَاءِ، أَهَلَّ هُوَ وَأَصْحَابُهُ وَقَلَّدَ بَدَنَتَهُ، وَذَلِكَ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِى الْقَعْدَةِ، فَقَدِمَ مَكَّةَ لأَرْبَعِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِى الْحَجَّةِ، فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَلَمْ يَحِلَّ مِنْ أَجْلِ بُدْنِهِ لأَنَّهُ قَلَّدَهَا، ثُمَّ نَزَلَ بِأَعْلَى مَكَّةَ عِنْدَ الْحَجُونِ، وَهْوَ مُهِلٌّ بِالْحَجِّ، وَلَمْ يَقْرَبِ الْكَعْبَةَ بَعْدَ طَوَافِهِ بِهَا حَتَّى رَجَعَ مِنْ عَرَفَةَ، وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ يُقَصِّرُوا مِنْ رُءُوسِهِمْ ثُمَّ يَحِلُّوا، وَذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ بَدَنَةٌ قَلَّدَهَا، وَمَنْ كَانَتْ مَعَهُ امْرَأَتُهُ فَهِىَ لَهُ حَلاَلٌ، وَالطِّيبُ وَالثِّيَابُ. طرفاه 1625، 1731
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(انطلق النبي -صلى الله عليه وسلم- من المدينة بعد ما ترَجّل وادَّهن) أي: سرح شعره، يقال: رجل شعره فهو مترجل. قيل: كان خروجه يوم الخميس، وقيل: يوم الجمعة، والأكثرون على أنه يوم السبت (فلم ينه عن شيءِ من الأردية والأُزر إلا المزعفرة) أي: المصبوغ بالزعفران (التي تَردع على الجلد) أي: ينقص -بفتح الياء والدّال، وبضم الياء وكسر الدّال لغتان- قال الجوهري: ويروى بالغين المعجمة أيضًا بمعناه. وفي هذا القيد إشارة إلى أن القليل لا بأس به. (استوى على البيداء) أي: استعلى؛ وهو الشرف الذي أمام ذي الحليفة، وهو في الأصل الفضاء مطلقًا، فاللام فيه للعهد (وقلّد بُدْنه) -بضم الباء وسكون الدال- جمع بدنة، ويُروى بلفظ الجمع المفرد. قال ابن الأثير: يطلق على البعير ذكرًا كان أو أُنثى، وعلى البقرة؛ لكن بالإبل أشبه.
قلت: الآن لا يفهم أحدٌ منه إلا الإبل، وإنما غلب هذا الاسم على ما ساق للهدي؛ لأنهم كانوا يسمنون الهدي، فاشتق له من البدانة وهي: الجسامة اسم. وتقليدها: جعل القلائد في عنقها إشعارًا بأنها هديٌ.
(ولم يحل لأجل بدنه، لأنه قلَّدها) أي: جعل عليها علامة الهدي، ومن ساق الهدي لا يحل إلا بعد بلوغ الهدي محله (وأمر أصحابه أن يطوفوا بالبيت، وبين الصفا والمروة، ثم يقصروا، ثم يحلوا) أي: أصحابه الذين لم يكن معهم الهدي (ومن كانت معه امرأة فهي له حلال) لأنه فرغ من أعمال العمرة، وهذا شأن كل متمتع إلى يوم القيامة.