كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ , يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

فهو من باب إيهام العكس إذ لما رأى الحصر فيه تأكيد على تأكيد ظن أن كل ما فيه تأكيد على تأكيد حصر وليس كذلك وإلا لكان والله إن زيدا لقائم للحصر وهو باطل. قوله: ((بالنيات)) هو جمع النية وهو القصد إلى الفعل. قال الشيخ أبو سليمان الخطابي: معنى النية قصدك الشيء بقلبك وتحري الطلب منك له وقيل هي عزيمة القلب التيمي: النية ههنا وجهة القلب. القاضي البيضاوي: النية عبارة عن انبعاث القلب نحو ما يراه موافقا لغرض من جلب نفع أو دفع ضر حالا, أو مآلا. والشرع خصصها بالإرادة المتوجهة نحو الفعل ابتغاء لوجه الله تعالى وامتثالا لحكمه والنية في الحديث محمولة على المعنى اللغوي ليحسن تطبيقه لما بعده تقسيمه إلى من كانت هجرته إلى كذا وكذا فغنه تفصيل لما أجمله واستنباط للمقصود عما أصله وقال والحديث متروك الظاهر لأن الذوات غير منتفية والمراد به نفي أحكامها كالصحة والفضيلة والحمل على نفي الصحة أولى لأنه أشبه بنفي الشيء نفسه ولأنّ اللفظ يدل بالتصريح على نفي الذات وبالتبع على نفي جميع الصفات فلما منع الدليل دلالته على نفي الذات بقي دلالته على نفي جميع الصفات. قال النووي: النية القصد وهو عزيمة القلب أقول ليس هو عزيمة القلب لما قال المتكلمون القصد إلى الفعل هو ما نجده من أنفسنا حال الإيجاد العزم قد يتقدم عليه ويقبل الشدة والضعف بخلاف القصد ففرقوا بينهما من جهتين فلا يصح تفسيره به وكلام الخطابي أيضا يشعر بالمغايرة بينهما. فإن قلت النيات جمع قلة كالأعمال وهي للعشرة فما دونها لكن المعنى أن كل عمل إنما هو بنية سواء كان قليلا أو كثيرا. قلت الفرق بالقلة والكثرة إنما هو في النكرات لا في المعارف. قوله: ((لكل امرئ ما نوى)) الامرؤ الرجل وفيه لغتان امرئ نحو زبرج ومرء نحو فلس ولا جمع له من لفظه وهو من الغرائب لأن عين فعله تابع للام في الحركات لثلاث دائما وكذا في مؤنثه أيضا لغتان امرأة ومرآة وفي هذا الحديث استعمل اللغة الأولى منهما من كلا النوعين إذ قال ((لكل امرئ وإلى امرأة)) قوله: ((هجرته)) الهجرة الترك وههنا أراد ترك الوطن ومفارقة الأهل وسمى الذين تركوا مكة وتحولوا إلى المدينة من الصحابة بالمهاجرين لذلك قوله: ((إلى دنيا)) لفظة دنيا مقصورة غير منونة لأنها فعل من الدنو وموصوفها محذوف أي الحياة الدنيا قال الشيخ ابن مالك في كتاب الشواهد في استعمال دنيا منكرا إشكال لأنها افعل التفضيل فكان حقها أن تستعمل باللاء كالكبرى والحسنى إلا أنها خلعت عنها الوصفية رأسا وأجريت مجرى ما لم يكن وصفا ونحوه قول الشاعر:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015