أهدى إليه حسناته ومحاها صحيفته وأثبتها في صحيفة من أساس إليه فينبغي أن تشكره وتحسن إليه بما لا نسبة له إلى ما أحسن به إليك وههنا ينفع استحضار مسالة اقتضاء الهبة الثواب وهذا المسكين قد وهبك حسناته فإن كنت من أهل الكرم فأثبه عليها لتثبت الهبة وتأمن رجوع الواهب فيها.
وفي هذا حكايات معروفة عن أرباب المكارم وأهل العزائم ويهونه عليك - أيضًا علمك بأن الجزاء من جنس العمل فإن كان هذا عملك في إساءة المخلوق إليك عفوت عنه وأحسنت إليه مع حاجتك وضعفك وفقرك وذلك. فهكذا يفعل المحسن القادر العزيز الغني بك في إساءتك ياقبلها بما قابلت به إساءة عبده إليك. فهذا لابد منه وشاهده في السنة من ـوجوه كثيرة لم تأملها.
المشهد السادس: مشهد السلامة وبرد القلب" وهو مشهد شريف جدًا لمن عرفه وذاق حلاوته وهو أن لا يشتغل قلبه وسره بما ناله من الأذى وطلب الوصول إلى درك ثأره وفاء نفسه بل يفرغ قلبه من ذلك ويرى أن سلامته وبرده وخلوه منه أنفع له. وألذ وأطيب وأعون على مصالحه، فإن القلب إذا اشتغل بشيء فاته ماهو أهم عنده" وخير له منه. فيكون بذلك مغبونًا والرشيد لا يرضى بذلك ويرى أنه من تصرفات السفيه فأين سلامة القلب من امتلائه بالغل والوساوس وأعمال الفكر من إدراك الانتقام؟
المشهد السابع: مشهد الأمن فإنه إذا ترك المقابلة والانتقام آمن ما هو شر من ذلك وإذا انتقم واقعه الخوف ولابد فإن ذلك يزرع العداوة والعاقل لا يأمن عدوه ولو كان حقيرًا.
لا تحقرن صغيرًا في تقلبه ... إن الذبابة تدمي الأسد
فكم من حقير أردى عدوه الكبير؟ فإذا غفر ولم ينتقم ولم يقابل أمن من تولد العداوة أو زيادتها. ولابد أن حلمه وعفوه وصفحه يكسر عنه شوكة عدوه ويكف من جزعه بعكس الانتقام والواقع شاهد بذلك - أيضًا-.
المشهد الثامن: مشهد الجهاد وهو أن يشهد تولد أذى الناس له من جهاده في سبيل الله وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر وأقام دين الله وإعلاء كلماته.
وصاحب هذا المقام قد اشترى الله منه نفسه وماله وعرضه بأعظم ثمن فإن أراد أن يسلم إليه الثمن فليسلم هو السلعة ليستحق ثمنها فلا حق له على من آذاه ولا شيء له قبله إن كان قد رضي بعقد هذا التبايع فإنه قد وجب أجره على الله.
وهذا ثابت بالنص وإجماع الصحابة - رضي الله عنهم - ولهذا منه النبي صلى الله عليه وسلم المهاجرين