طائفة واحدة فالباقون على الضلالة. لقوله: (فماذا بعد الحق إلا الضلال) كما قال- تعالى- فيهم: {وقليل ما هم} وسيأتي- في الباب الثالث- قوله- صلى الله عليه وسلم-: (بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ).
قوله: (قائمة) قيل: يحتمل وجهين:
الأوَّل: أن يكون معناه موفيه، لأن العرب تقول: فلان قام بالأمر أي وفاة حقه.
الثاني: أن يكون معنى قائمة ثابتة. كما قال تعالى-: {قائمة على أصولها}.
وقوله: (بأمر الله) الأمر- هنا- هو إتباع ما أمر. واجتناب ما نهى على واجبه ومندوبه.
وقوله: (منصورين) وفي رواية (ظاهرين) وهما بمعنى واحد.
وقوله: (ناوأهم) - هو بهمزة بعد الواو- أي عاداهم.
وقوله: (لا يضرهم من خذلهم) وفي رواية: (من خالفهم) قيل ثلاثة أوجه ذكرها الإمام عبد الله بن أبي جمرة وغيره:
الأول: أن يكون المراد به الأشخاص القائمون بالأمر لا يقدر أحد على ضرهم.
الثاني: الضرر لا يلحق فعلهم، ويقبل منهم، ولا ينقص لهم من أجورهم شيء وإن كانوا مجاورين للمخالفين لهم.
الثالث: أن يكون المراد لا يضرهم ولا يضر عملهم. ثن قال: وهذا أظهر الأوجه، بدليل قوله- تعالى-: {وكان حقًّا علينا نصر المؤمنين}.
فللَّه سبحانه- وله الحمد- عناية بهذا الدين، لاسيما الأرض التي بارك فيها للعالمين وأظهر على الحق العصابة المنصورة الظاهرة، وأيقنت على النصر متمًا لنصر القلوب الزاكية الطاهرة وأرغم- بذلك- معاطس أهل الزيغ والنفاق، وجعله أميرًا للمؤمنين إلى يوم الحشر والتلاق ونسأله- تعالى- دوام هذه النعمة الجمة، وأن يجعلها متصلة.
وفي الحديث بشارة عظيمة لمن اتصف بالصفة المذكورة، أنه لا يخاف الضرر، وإن كثر أهل الفساد، فيكون أبدًا مطمئن النفس، منشرح الصدر، لأن المؤمنين الذين أوجب لهم النصر بمجرد الفضل هم الموصوفون في الحديث.