وقال سفيان الثوري: إذا رأيت القارئ محببًا إلى جيرانه فاعلم أنه مداهن.
وفي رواية: إذا كان الرجل محببًا في جيرانه محمودًا عند إخوانه، فاعلم أنه مداهن.
فإن أضيف إلى ذلك أمر ونهي وإنكار زاد البغض والقذف والإضرار.
وفي الغالب ما يحمل أهل الفساد إخوان الشيطان على معاداة الصلحاء لا سيما الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر وسلب أعراضهم بالافتراء والبهتان إلا الحسد المذموم الذي حقيقته التأذي بما يتجدد من نعم الله عليه من خيري الدنيا والآخرة للأخ المسلم سواء أراد انتقالها إليه أم لا، لأن أعظم النعم الإقبال على الله باجتناب نهيه وامتثال أمره وملازمة طاعته ومداومة ذكره لكن لكل نعمة حاسد، وعلى كل فضل معاند. لما ظهرت فضائل"أدم"- عليه السلام- بسجود الملائكة وبتعليمه أسماء كل شيء وإخباره الملائكة بها، وهم يستمعون له كاستماع المتعلم من معلمه حتى أقروا بالعجز عن علمه وأقروا له بالفضل وأسكن هو وزوجته الجنة ظهر الحسد من"إبليس" وسعى في الأذى وما زالت الفضائل يحسد عليها. وأنشدوا:
لا مات حاسدوك بل خلدوا ... حتى يروا منك الذي يكمدوا
لا برحت الدهر في نعمه ... فإنما الجاهل من يحسد
فما زال اللعين يحتال على"آدم" حتى تسبب في إخراجه من الجنة وما درى أن"آدم" عليه السلام- إذا أخرج منها كملت فضائله ثم يعود إلى الجنة على أكمل من حالته الأولى.
كما قيل:
وإذا أراد الله شر فضيلة ... طويت أتاح لها لسان حسود
لولا اشتعال النار فيما جاورت ... ما كان يعرف طيب عرق العود
قال تعالى- في سورة البقرة: {ودّ كثيرٌ من أهل الكتب لو يردونكم من بعد إيمنكم كفارًا حسدًا من عند أنفسهم}.