وذلك أن بلعام زجر ونهي عن الدعاء على موسى فلم ينزجر ولم ينتفع بالزجر فحصل له ما حصل.
وقال تعالى: {ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها} أي لا أحد أظلم لنفسه ممن وعظ بآيات الله فتهاون بها واعرض عن قبولها {ونسي ما قدمت يداه} أي ترك كفره ومعاصيه فلم يتب منها. والنسيان - هنا - الترك.
فانظر لنفسك قبل أن يعمى الناظر وتفكر في أمرك بالقلب الحاضر، فشتان بين الفساق وأهل الصلاح. أين أهل الخسران من أرباب الأرباح؟ فالمعصية ليل مظلم، والطاعة مصباح.
الطبقة الثالثة: قوم طمس الله على قلوبهم فلم يهدهم إلى نظر عيوبهم، يؤمر أحدهم فلا يسمع وينهى عن المنكر فلا يرجع ولا ينزع.
كما قيل: لا تعذليه فإن العذل يولعه ... قد قلت حقًا ولكن ليس يسمعه
بل يتول لآمره مقالة مفترى:
يا هذا أنت ما تدخل ني تبري، عليك في الأمر بنفسك وأصلح ما فسد من أهلك وكل شاة معلقة بعرقوبها.
فذلك من أقبح خطيات النفس وذنوبها، ومن قسي قلبه صمت مسامعه عن المواعظ حتى ينفذ القدر. {سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون} {يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون}.
فهذا ممن ينادي عليه لسان الكون في كل أوان ولحظة وساعة وزمان: يا حاملًا من الذنوب أثقالا، يا مطمئنًا ستنقل لابد انتقالا، يا مرسلًا عنان لهوه في ميدان زهوه إرسالا، كأنك بعينيك حين عرض الكتاب عليك قد سالا.
وأنشدوا:
فشغلت بالشهوات منك خواطرا ... وفررت من نمح الصيح وعتبه
أغضبت ربك في خلافك أمره ... فبقيت من رهط اللعين وحزبه
فارجع إليه بتوبة وندامة ... إن السلامة كلها في قربه