الكليات (صفحة 405)

ذَاته وَفِي صِفَاته وَفِي أَفعاله وَنَحْو ذَلِك، فَإِنَّهُ يحتملهما من غير نظر إِلَى زَائِد على ذَلِك أما إِذا نَظرنَا إِلَى براهينها القطعية فَحِينَئِذٍ يجب لَهَا الصدْق لَا غير

وَمن الْخَبَر مَا يحْتَمل الصدْق وَالْكذب بِالنّظرِ إِلَى ذَاته وَصورته فَقَط وَإِذا نَظرنَا إِلَى زَائِد على ذَلِك تحتم كذبه كَقَوْل الْمُعْتَزلَة: " الْإِرَادَة الأزلية لَا تتَعَلَّق بالْكفْر وَلَا بالمعصية " وَنَحْو ذَلِك من عقائدهم الْفَاسِدَة، فَإِنَّهُ إِذا قصر النّظر على مُجَرّد حقائقها اللُّغَوِيَّة تحتملهما، أما إِذا نظر إِلَى براهين عُمُوم إِرَادَة الله ارْتَفع الِاحْتِمَال وَتعين الْكَذِب، وَمثله الْإِخْبَار، بِخِلَاف الْمَعْلُوم ضَرُورَة نَحْو: الْأَرْبَعَة أقل من الثَّلَاثَة

ثمَّ إِن الْخَبَر بِالنّظرِ إِلَى مَا يعرض لَهُ إِمَّا مَقْطُوع بصدقه كالمعلوم ضَرُورَة كالواحد نصف الِاثْنَيْنِ، أَو اسْتِدْلَالا كَقَوْل أهل السّنة: الْعَالم حَادث، وَمن الْمَقْطُوع بصدقه خبر الصَّادِق وَهُوَ الله تَعَالَى وَرَسُوله وَبَعض الْخَبَر الْمَنْسُوب إِلَى مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِن جهلنا عينه، والمتواتر معنى فَقَط أَو لفظا وَمعنى، وَإِمَّا مَقْطُوع بكذبه كالمعلوم خِلَافه ضَرُورَة (كَقَوْلِك: السَّمَاء أَسْفَل وَالْأَرْض فَوق، أَو اسْتِدْلَالا كَقَوْل الفلاسفة: الْعَالم قديم)

وكل خبر سمي فِي اصْطِلَاح الْمُحدثين بالموضوع فَمن ذَلِك مَا رُوِيَ أَنه تَعَالَى خلق نَفسه وَمن الْمَقْطُوع خبر مدعي الرسَالَة بِلَا معْجزَة (أَو بِلَا تَصْدِيق الصَّادِق) وَمَا فتش عَنهُ فِي الحَدِيث وَلم يُوجد عِنْد رُوَاة الحَدِيث وَأَصْحَابه، وَالْمَنْقُول آحادا فِيمَا تتوفر الدَّوَاعِي على نَقله تواترا كالنص على إِمَامَة عَليّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: " أَنْت الْخَلِيفَة من بعدِي "، فَعدم تَوَاتر ذَلِك دَلِيل على الْقطع بكذبه

وَقد ذكرُوا لقبُول خبر الْوَاحِد شُرُوطًا مِنْهَا: أَن يكون مُوَافقا للدليل الْقطعِي وَمِنْهَا أَن لَا يُخَالف الْكتاب والمتواتر وَالْإِجْمَاع وَمِنْهَا أَن لَا يكون واردا فِي حَادِثَة تعم بهَا الْبلوى بِأَن يحْتَاج النَّاس كلهم إِلَيْهِ حَاجَة متأكدة مَعَ كَثْرَة تكرره، وَلِهَذَا أنكر الْحَنَفِيَّة خبر نقض الْوضُوء من مس الذّكر، لِأَن مَا تعم بِهِ الْبلوى يكثر السُّؤَال عَنهُ فتقضي الْعَادة بنقله تواترا، وَإِن أُجِيب من طرف الشَّافِعِيَّة بِمَنْع اقْتِضَاء الْعَادة لذَلِك، [وَلِأَنَّهُ يُخَالف قَوْله تَعَالَى: {فِيهِ رجال يحبونَ أَن يَتَطَهَّرُوا} فَإِنَّهَا نزلت فِي قوم يستنجون بِالْمَاءِ بعد الْحجر فقد مدحهم الله بذلك وسمى فعلهم تَطْهِيرا والاستنجاء بِالْمَاءِ لَا يكون إِلَّا بِمَسّ الذّكر]

وَحكم الْخَبَر الْوَاحِد أَنه يُوجب الْعَمَل دون الْعلم، وَلِهَذَا لَا يكون حجَّة فِي الْمسَائِل الاعتقادية، لِأَنَّهَا تتبنى على الِاعْتِقَاد، وَهُوَ الْعلم الْقطعِي وَخبر الْوَاحِد يُوجب علم غَالب الرَّأْي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015