الكليات (صفحة 404)

وَاخْتلف فِي حد الْخَبَر، قيل: لَا يحد لعسره، وَقيل: لِأَنَّهُ ضَرُورِيّ، وَيحد عِنْد الْأَكْثَر فَقَالَ بَعضهم: الْخَبَر هُوَ الْكَلَام الَّذِي يدْخلهُ الصدْق وَالْكذب ورد بِخَبَر الله [وَخبر الرَّسُول] فَأُجِيب بِأَنَّهُ يَصح دُخُوله لُغَة، وَقَالَ بَعضهم: الْخَبَر كَلَام يُفِيد بِنَفسِهِ نِسْبَة فأورد عَلَيْهِ نَحْو (قُم) فَإِنَّهُ يدْخل فِي الْحَد، لِأَن الْقيام والطلب كِلَاهُمَا مَنْسُوب

قيل: الْخَبَر مَا يحْتَمل التَّصْدِيق والتكذيب وَهَذَا يُوجب تَعْرِيف الشَّيْء بِنَفسِهِ، لِأَن التَّصْدِيق هُوَ الْإِخْبَار عَن كَونه صَادِقا، والتكذيب هُوَ الْإِخْبَار عَن كَونه كَاذِبًا فَصَارَ قَوْله جَارِيا مجْرى مَا إِذا قيل: الْخَبَر مَا يصلح للإخبار عَنهُ بِأَنَّهُ صدق أَو كذب، فَهَذَا يُوجب تَعْرِيف الْخَبَر بالْخبر، وَيُوجب الدّور أَيْضا، لِأَن الصدْق هُوَ الْخَبَر الْمُوَافق، وَالْكذب هُوَ الْخَبَر الْمُخَالف، فَلَمَّا عرفنَا الْخَبَر بِالصّدقِ وَالْكذب وعرفناهما بالْخبر لزم الدّور

وَقَالَ بَعضهم: الْخَبَر كل كَلَام لَهُ خَارج صدق أَو كذب نَحْو: (قُم زيد) ، فَإِن مَدْلُوله وَهُوَ قيام زيد حَاصِل قبل التَّكَلُّم بالْخبر، فَإِن وَافق الْخَارِج فَالْكَلَام صدق، وَإِلَّا فَهُوَ كذب، وَلَا وَاسِطَة بَينهمَا

وَقَالَ الرَّاغِب: الصدْق هُوَ الْمُطَابقَة الخارجية مَعَ الِاعْتِقَاد لَهَا فَإِن فقدا مَعًا أَو على الْبَدَل (فَمَا فقد فِيهِ كل مِنْهُمَا فَهُوَ كذب، سَوَاء فقد اعْتِقَاد الْمُطَابقَة باعتقاد عدمهَا، أم بِعَدَمِ اعْتِقَاد شَيْء) ، وَمَا فقد فِيهِ وَاحِد مِنْهُمَا فَهُوَ مَوْصُوف بِالصّدقِ من جِهَة مطابقته للاعتقاد أَو للْخَارِج وبالكذب [أَيْضا] من جِهَة أَنه انْتَفَى فِيهِ الْمُطَابقَة للْخَارِج أَو اعتقادها فَهُوَ وَاسِطَة بَين الصدْق وَالْكذب

(وَاعْلَم أَن أهل الْعَرَبيَّة اتَّفقُوا على أَن الْخَبَر مُحْتَمل للصدق وَالْكذب وَهَذَا الْكَلَام يحْتَمل الصدْق وَالْكذب أَيْضا، وَلَا تقصي عَنهُ إِلَّا بِأَن يُقَال: إِن هَذَا القَوْل) فَرد من أَفْرَاد مُطلق الْخَبَر فَلهُ اعتباران: أَحدهمَا من حَيْثُ ذَاته مَعَ قطع النّظر عَن خُصُوصِيَّة كَونه خَبرا جزئيا وَالثَّانِي من حَيْثُ عرُوض هَذَا الْمَفْهُوم لَهُ فثبوت الِاحْتِمَال لَهُ بِالِاعْتِبَارِ الثَّانِي لَا يُنَافِي عدم الِاحْتِمَال بِالِاعْتِبَارِ الأول كاللاممكن التَّصَوُّر إِذا عرفت هَذَا فَنَقُول: الْخَبَر هُوَ الْكَلَام الَّذِي يقبل الصدْق وَالْكذب لأجل ذَاته، أَي لأجل حَقِيقَته من غير نظر إِلَى الْمخبر والمادة الَّتِي تعلق بهَا الْكَلَام، كَأَن يكون من الْأُمُور الضرورية الَّتِي لَا يقبل إِثْبَاتهَا إِلَّا الصدْق وَلَا يقبل نَفيهَا إِلَّا الْكَذِب، فَقَوْل غير مَعْصُوم: فلَان من أهل الْجنَّة وَفُلَان من أهل النَّار يحْتَمل الصدْق وَالْكذب مُطلقًا، سَوَاء نَظرنَا إِلَى صُورَة نسبته أَو إِلَى مادته وَمَعْنَاهُ، أَو إِلَى الْمُتَكَلّم بِهِ

وأخبار الله وَرَسُوله إِذا نَظرنَا إِلَى حقائقها اللُّغَوِيَّة وقطعنا النّظر عَمَّا زَاد على ذَلِك نجدها لمُجَرّد صورتهَا تقبل الِاحْتِمَال، أما إِذا نَظرنَا إِلَى زَائِد على ذَلِك وَهُوَ كَون الْمخبر بهَا هُوَ الله المنزه وَرَسُوله الْمَعْصُوم من الْكَذِب عقلا فَحِينَئِذٍ يتحتم لَهَا الصدْق لَا غير، وَمثله الْإِخْبَار عَن الْأُمُور الضرورية ابْتِدَاء كَقَوْلِك: الِاثْنَان أَكثر من الْوَاحِد، وانتهاء كَقَوْل أهل الْحق: الله قديم قَائِم بِنَفسِهِ وَاحِد فِي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015