الكليات (صفحة 340)

يتشكل بأشكال مُخْتَلفَة ثمَّ قَالَ: وَهَذَا شرح الِاسْم أَي بَيَان لمدلول هَذَا اللَّفْظ مَعَ قطع النّظر عَن انطباقه على حَقِيقَة خارجية، سَوَاء كَانَ مَعْدُوما فِي الْخَارِج أَو مَوْجُودا وَلم يعلم وجوده فِيهِ، فَإِن التَّعْرِيف الاسمي لَا يكون إِلَّا كَذَلِك، بِخِلَاف التَّعْرِيف الْحَقِيقِيّ، فَإِنَّهُ عبارَة عَن تصور مَا لَهُ حَقِيقَة خارجية فِي الذِّهْن [وَقد دلّ الْكتاب وأخبار الْأَنْبِيَاء على وجود الْجِنّ] ، وَجُمْهُور ارباب الْملَل المصدقين بالأنبياء قد اعْتَرَفُوا بِوُجُودِهِ، واعترف بِهِ جمع عَظِيم من قدماء الفلاسفة أَيْضا

[وَمن أحَاط معرفَة بعجائب المقدورات وَمَا خلق الله من السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا من الْعَجَائِب والغرائب علم أَن خلق الْجِنّ مِمَّا لَيْسَ بمحال بِنَفسِهِ، وَلَا الْقُدْرَة الأزلية قَاصِرَة عَنهُ، وَلَا أَنه مِمَّا يلْزم عَنهُ إبِْطَال قَاعِدَة من الْقَوَاعِد الْعَقْلِيَّة وَلَا هدم أصل من الْأُصُول الدِّينِيَّة فَلم يستدع وجود الْجِنّ وَالْعَمَل بظواهر الْأَدِلَّة السمعية من غير تَأْوِيل، وَغَايَة مَا فِيهِ وجود أشخاص بَيْننَا لَا نراهم، وَلَيْسَ ذَلِك مِمَّا يمْنَع من وجودهم وَإِلَّا لزم مِنْهُ امْتنَاع وجود الْمَلَائِكَة والحفظة الْكَاتِبين، وَهُوَ خلاف مَذْهَب الْمُسلمين وأرباب الشَّرَائِع ثمَّ نقُول: خُرُوج الشَّيْء عَن الْوَهم الَّذِي هُوَ نتيجة الْحس مِمَّا لَا يُوجب اسْتِحَالَة ثُبُوته عِنْد قيام الدَّلِيل على ثُبُوته، فَإِن الْعلم مُحِيط بِثُبُوت الرّوح فِي الْبدن وَثُبُوت الْعقل فِيهِ وَوُجُود الْجِنّ وَالْمَلَائِكَة لثبوتهم بِالدَّلِيلِ وَإِن كُنَّا لم نعاينهم وَمن يتبع الْوَهم فَأول مَا يلْزمه إِنْكَار ثُبُوت صانع لَيْسَ بجوهر وَلَا جسم وَلَا عرض وَلَا قَائِم بِنَاؤُه بِجِهَة من الْجِهَات منا وَلَا اتِّصَال لَهُ بِنَا، وَلَا انْفِصَال لَهُ عَنَّا، وَيلْزمهُ أَن يخرج ثُبُوت الصَّانِع عَن الْعقل لِخُرُوجِهِ عَن الْوَهم، وَيَقُول: إِن ثُبُوته لَيْسَ بمعقول لَا إِنَّه لَيْسَ بموهوم، فَمن أقرّ بِثُبُوت الصَّانِع اتبَاعا للدليل وَإِن لم يَتَقَرَّر ذَلِك فِي الْوَهم يلْزمه الْإِقْرَار بذلك اتبَاعا لما أَقَمْنَا من الدَّلِيل وَإِن لم يتَصَوَّر ذَلِك فِي الْوَهم]

وَالْجِنّ يُقَال على وَجْهَيْن: أَحدهمَا للروحانيين المستترة عَن الْحَواس كلهَا بِإِزَاءِ الْإِنْس فعلى هَذَا يدْخل فِيهِ الْمَلَائِكَة وَالشَّيَاطِين وعَلى هَذَا قَالَ أَبُو صَالح: الْمَلَائِكَة كلهَا جن نعم إِلَّا أَن يُقَال بِأَن هَذَا من بَاب تَقْيِيد الْمُطلق بِسَبَب الْعرف

وَالثَّانِي أَن الْجِنّ بعض الروحانيين، وَذَلِكَ أَن الروحانيين ثَلَاثَة: أخيار: وهم الْمَلَائِكَة

وأشرار: وهم الشَّيَاطِين

وأخيار وأشرار: وهم الْجِنّ

وَظَاهر الْكَلَام الفلاسفة أَن الْجِنّ وَالشَّيَاطِين هم النُّفُوس البشرية الْمُفَارقَة عَن الْأَبدَان بِحَسب الْخَيْر وَالشَّر

وَمِمَّا توقف فِيهِ أَبُو حنيفَة ثَوَاب الْجِنّ بِنَاء على أَن الإثابة لَا تجب على الله فَلَا يسْتَحق العَبْد الثَّوَاب على الله تَعَالَى بِالطَّاعَةِ، وَالْمَغْفِرَة لَا تَسْتَلْزِم الإثابة لِأَنَّهُ ستر؛ والإثابة بالوعد فضل هَذَا هُوَ الْقيَاس إِلَّا أَن الْأَثر ورد فِي بني آدم فَصَارَ معدولا عَنهُ، وَلم يرد فِي حق من آمن من الْجِنّ إِلَّا سُقُوط عُقُوبَة الْكفْر عَنْهُم فهم يبعثون ويحاسبون ويعذب من كفر مِنْهُم فِي جَهَنَّم وَيجْعَل من آمن مِنْهُم تُرَابا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015