44 - يوصفُ الله بمَا وصفَ بهِ نفسَهُ، أو وصفهُ بهِ رسولهُ، لا يتجاوزُ القرآنُ والحديثُ، ويتبعُ في ذلكَ سبيلُ السَّلفِ الماضينَ أهلِ العلمِ والإيمانِ، والمعاني المفهومةُ مِنَ الكتابِ والسنةِ لا تردُّ بالشُّبهاتِ، فتكونُ من بابِ تحريفِ الكَلمِ عنْ مواضِعهِ، ولا يعرضُ عنها فيكونُ من بابِ الذينَ إذا ذكِّروا بآياتِ ربِّهم يخرُّون عليها صمًّا وعميانًا، ولا يتركُ تدبُّرُ القرآنِ فيكونُ من بابِ الذين لا يعلمونَ الكتابَ إلَّا أماني (?).
45 - الجاهلُ يضلُّ بقولِ المتكلِّمينَ: أنَّ العربَ وضعوا لفظَ الاستواءِ لاستواءِ الإنسانِ على المنزلِ أو الفلكِ، أو استواءِ السفينة على الجوديِّ، ونحو ذلكَ مِن استواءِ بعضِ المخلوقاتِ.
فمنْ ظنَّ أنَّ هذا الاستواءَ إذا كانَ حقيقةً يتناولُ شيئًا منْ صفاتِ المخلوقينَ مَعَ كونِ النَّصِّ قدْ خصَّهُ بالله، كانَ جاهلًا جدًّا بدلالاتِ اللُّغاتِ، ومعرفةِ الحقيقةِ والمجازِ.
وهؤلاءِ الجهَّالِ يمثِّلونَ في ابتداءِ فهمهم صفاتِ الخالقِ بصفاتِ المخلوقِ؛ ثمَّ ينفونَ ذلكَ ويعطِّلونهُ، فلا يفهمونَ منْ ذلكَ إلَّا ما يختصُّ بالمخلوقِ، وينفونَ مضمونَ ذلكَ، ويكونونَ قدْ جحدوا ما يستحقهُ الرَّبُّ منْ خصائصهِ وصفاتهِ، وألحدوا في أسماءِ اللهِ وآياتهِ، وخرجوا عَنِ القياسِ العقليِّ والنَّصِّ الشرعيِّ، فلا يبقى بأيديهم لا معقولٌ صريحٌ ولا منقولٌ صحيحٌ (?).
46 - الباري قبلَ أنْ يخلقَ العالمَ كانَ هو وحدهُ سبحانهُ لا شريكَ لهُ، ولمَّا خلقَ الخلقَ فإنَّهُ لمْ يخلقهُ في ذاتهِ، فيكونُ هو محلًا للمخلوقاتِ، ولا جعلَ ذاتهُ فيه، فيكونُ مفتقرًا محمولًا قائمًا بالمصنوعاتِ، بلْ جعلهُ بائنًا عنهُ فيكون فوقهُ وهو جهةُ العلوِّ (?).