4 - إنَّ الله لا يماثلُ غيرهُ في شيءٍ مِنَ الأشياءِ حتَّى يتساويا في حكمِ القياسِ، بل هو سبحانهُ أحقُّ بكلِّ حمدٍ، وأبعدُ عنْ كلِّ ذمٍّ، فمَا كانَ منْ صفاتِ الكمالِ المحضةِ التي لا نقصَ فيهَا بوجهٍ مِنَ الوجوهِ، فهو أحقُّ به منْ كلِّ ما سواهُ، وما كانَ منْ صفاتِ النَّقصِ فهوَ أحقُّ بتنزيههِ عنهُ منْ كلِّ مَا سواهُ (?).
5 - الرُّوحُ توصفُ بأنَّها تعرجُ إذا نامَ الإنسانُ، وهيَ مَعَ هذا في بدنِ صاحبها لمْ تفارقهُ بالكليَّةِ ... فهذا الصُّعودُ الذي توصفُ به الرُّوحُ لا يماثلُ صعودَ المشهوداتِ، فإنَّها إذا صعدتْ إلى مكانٍ فارقتْ الأوَّلَ بالكليَّةِ، وحركتهَا إلى العلوِّ حركةُ انتقالٍ منْ مكانٍ إلى مكانٍ، وحركةُ الرُّوحِ بعروجهَا وسجودهَا ليسَ كذلكَ.
فالرَّبُّ سبحانهُ إذا وصفهُ رسولهُ صلى الله عليه وسلم بأنَّهُ ينزلُ إلى سماءِ الدنيا كلَّ ليلةٍ، وأنَّهُ يدنو عشيةَ عرفةَ إلى الحجَّاجِ: لم يلزمْ منْ ذلكَ أنْ تكونَ هذه الأفعالُ منْ جنسِ ما نشاهدهُ منْ نزولِ هذهِ الأعيانِ المشهودةِ، حتَّى يقالَ: ذلكَ يستلزمُ تفريغَ مكانٍ وشغلَ آخر، فإنَّ نزولَ الرُّوحِ وصعودها لا يستلزمُ ذلكَ فكيفَ بربِّ العالمينَ؟! وكذلكَ الملائكةُ لهم صعودٌ ونزولٌ منْ هذا الجنسِ.
فلا يجوزُ نفيُ ما أثبتهُ الله ورسولهُ مِنَ الأسماءِ والصِّفاتِ، ولا يجوزُ تمثيلُ ذلكَ بصفاتِ المخلوقاتِ، لا سيَّما ما لا نشاهدهُ مِنَ المخلوقاتِ. فإنَّ ما ثبتَ لمَا لا نشاهدهُ مِنَ المخلوقاتِ مِنَ الأسماءِ والصفاتِ ليسَ مماثلًا لما نشاهدهُ منها فكيفَ بربِّ العالمينَ الذي هو أبعدُ عنْ مماثلةِ كلِّ مخلوقٍ منْ مماثلةِ مخلوقٍ لمخلوقٍ؟! وكلُّ مخلوقٍ فهوَ أشبهُ بالمخلوقِ الذي لا يماثلهُ مِنَ الخالقِ بالمخلوقِ سبحانه وتعالى عمَّا يقولُ الظالمونَ علوًا كبيرًا (?).