وسأل رجلٌ ربيعةَ بن أبي عبد الرحمن فقال: {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} [طه: 5] كيفَ استوى؟ فقال: «الاستواءُ غيرُ مجْهولٍ، الكيفُ غيرُ معْقولٍ، ومِنَ الله الرسالة، وعلى الرسولِ البلاغُ، وعلينا التَّصْديقُ» (?).

وقال رجلٌ للإمامِ مالكٍ: يا أبا عبدِ الله: {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} [طه: 5] كيفَ استوى؟ قال: «الكيفُ غيرُ معْقولٍ، والاستواءُ منهُ غيرُ مجْهولٍ، والإيمانُ بهِ واجبٌ، والسُّؤالُ عنهُ بدعةٌ» (?).

فقولُ ربيعةَ ومالكٍ: «الاسْتواءُ غيرُ مجْهولٍ، والكيفُ غيرُ معْقولٍ، والإيمانُ بهِ واجبٌ» موافقٌ لقولِ الباقينَ: «أمِرُّوها كما جاءتْ بلا كيفٍ»؛ فإنَّما نفوا علمَ الكيفيَّةِ، ولمْ ينْفوا حقيقةَ الصِّفةِ.

ولو كانَ القومُ قدْ آمنوا باللَّفظِ المجرَّدِ منْ غيرِ فهمٍ لمعْناه على ما يليقُ بالله؛ لما قالوا: «أمرُّوها كما جاءتْ بلا كيفٍ»؛ فإنَّ الاسْتواءَ حينئذٍ لا يكونُ معْلومًا؛ بلْ مجْهولًا بمنْزلةِ حروفِ المعجمِ.

وأيضًا؛ فإنَّه لا يحْتاجُ إلى نفيِ علمِ الكيفيَّةِ إذا لمْ يفهمْ عَنِ اللَّفظِ معنًى؛ وإنَّما يحْتاجُ إلى نفيِ علمِ الكيفيَّةِ إذا أثْبتت الصِّفاتُ.

وأيضًا؛ فإنَّ منْ ينْفي علوَّ الله على العرشِ والنزولَ لا يحْتاجُ أنْ يقولَ: بلا كيفٍ! فمنْ قال: إنَّ الله ليس على العرشِ. لا يحتاجُ أنْ يقولَ: «بلا كيفٍ»، فلو كانَ مذهبُ السَّلفِ التفْويضَ في المعْنى؛ لما قالوا بلا كيفٍ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015