التاسعُ:
يقالُ لهم مَا قالهُ الإمامُ الدارميُّ للجهميَّةِ: بيننا وبينكم حجَّةٌ واضحةٌ يعقلهَا منْ شاء الله مِنَ النِّساءِ والولدانِ: ألستم تعلمونَ أنَّا قد أتيناكم بهذهِ الرواياتِ عنْ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وعنْ أصحابه والتابعينَ، منصوصةً صحيحةً عنهم، أنَّ الله تبارك وتعالى ينزلُ كلَّ ليلةٍ إلى سماء الدنيا، وقد علمتم يقينًا أنَّا لمْ نخترعْ هذه الرواياتِ، ولم نفتعلها، بل رويناها عَنِ الأئمَّةِ الهادينَ الذينَ نقلوا أصولَ الدين وفروعَهُ إلى الأنامِ، وكانتْ مستفيضةً في أيديهم، يتنافسونَ فيها، ويتزينون بروايتها، ويحتجُّونَ بها على منْ خالفها. قدْ علمتم ذلكَ ورويتموهَا كما رويناها إنْ شاء الله، فأتوا ببعضهَا أنَّهُ لا ينزلُ منصوصًا كما روينا عنهم النُّزولَ منصوصًا حتَّى يكونَ بعضُ ما تأتونَ بهِ ضدًّا لبعضِ ما أتيناكم بهِ، وإلَّا لم يدفعْ إجماعُ الأمَّةِ، وما ثبتَ عنهم في النُّزولِ منصوصًا بلا ضدٍّ منصوصٍ منْ قولهم، أو منْ قولِ نظرائهم، ولم يُدْفَعْ شيءٌ بلا شيءٍ لأنَّ أقاويلهم ورواياتهم شيءٌ لازمٌ، وأصلٌ منيعٌ، وأقاويلكم ريحٌ ليستْ بشيءٍ (?).
وأمَّا منْ قَالَ: إنَّ نزولَ الرَّبِّ تبارك وتعالى كلَّ ليلةٍ إلى السَّمَاء الدُّنْيَا مجازٌ وأنَّ المرادَ بالنُّزولِ الإحسانُ والرَّحمةُ وأسندَ دعواه بقوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ} [الحديد: 25] وبقوله: {وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} [الزمر: 6]، قَالَ: معلومٌ أنَّ الحديدَ والأنعامَ لم تنزلْ مِنَ السّمَاءِ إلى الأرضِ. وهذَا الكلامُ باطلٌ مِنْ وجوهٍ:
الوجهُ الأولُ:
أنَّ ما ذكرهُ النُّفاةُ منْ مجازِ النزولِ لا يعرفُ فِي كتابٍ وَلاَ سنَّةٍ وَلاَ لغةٍ وَلاَ شرعٍ وَلاَ عرفٍ وَلاَ استعمالٍ.