وليس المرادُ مِنْ إحاطتهِ بخلقهِ أنَّ المخلوقاتِ داخلَ ذاتهِ المقدَّسةِ، تعالى اللهُ عنْ ذلكَ علوًّا كبيرًا؛ فإنَّه العظيمُ الذي لا أعظمَ منهُ. ألا ترى أنَّ السماءَ لمَّا كانتْ «محيطةً بالأرضِ كانتْ عاليةً عليها، ولا يستلزمُ ذلكَ ممَّا هوَ محيطٌ بهِ، مماثلتهُ ومشابهتهُ لهُ، فإذا كانتِ السَّماءُ محيطةً بالأرضِ، وليستْ مماثلةً لهَا فالتَّفاوتُ الذي بين العالمِ وربُّ العالمِ أعظمُ مِنَ التفاوتِ الذي بينَ الأرضِ والسَّماءِ» (?).
ويجبُ أنْ يُعْلَمَ أنَّ العالمَ العلويَّ والسفليَّ بالنِّسبةِ إلى الخالقِ سبحانه وتعالى في غايةِ الصِّغَرِ.
قالَ سبحانه وتعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر: 67].
وقدْ ثبتَ في الصحيحين (?) منْ حديثِ ابنِ مسعودٍ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قرأ هذهِ الآيةَ، لمَّا ذكرَ لهُ بعضُ اليهودِ أنَّ الله يحملُ السَّمواتِ على أصبعٍ، والأرضينَ على أصبعٍ، والجبالَ على أصبعٍ، والشَّجرَ والثرى على أصبعٍ، وسائرَ الخلقِ على أصبعٍ؛ فضحك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم تعجُّبًا وتصديقًا لقولِ الحبر (?)، وقرأ هذهِ الآية.
وهذا يقتضي أنَّ عظمتهُ أعظمُ ممَّا وصفَ ذلكَ الحبرُ، فإنَّ الذي في الآيةِ أبلغُ (?).
قال الشيخ علي بن إبراهيم بن مشيقح رحمه الله: