وكلُّ هذا الكلام الذي ذكرهُ الله - من أنَّه فوق العرشِ وأنَّهُ معنا - حقٌّ على حقيقتهِ، لا يحتاجُ إلى تحريفٍ، ولكنْ يصانُ عَنِ الظُّنونِ الكاذبةِ، مثلَ أنْ يُظنَّ أنَّ ظاهرَ قولهِ: {فِي السَّمَاءِ} [الملك: 14]، أنَّ السَّماءَ تظلُّهُ أو تقلُّهُ، وهذا باطلٌ بإجماعِ أهلِ العلمِ والإيمانِ؛ فإنَّ الله قدْ وسعَ كرسيُّهُ السَّماواتِ والأرضَ، وهوَ يمسكُ السَّماواتِ والأرضَ أنْ تزولا، ويمسكُ السَّماءَ أنْ تقعَ على الأرضِ، إلَّا بإذنهِ، ومنْ آياتهِ أنْ تقومَ السَّماءُ والأرضُ بأمرهِ (?).
فمنْ يمسكُ السَّمواتِ والأرضَ؟ وبأمرهِ تقومُ السَّماءُ والأرضُ، وهوَ الذي يمسكهما أنْ تزولا، أيكونُ محتاجًا إليهما مفتقرًا إليهما؟.
وإذا كان المسلمونَ يكفِّرونَ منْ يقولُ: إنَّ السَّمواتِ تقلُّهُ أو تظلُّهُ؛ لما في ذلكَ من احتياجهِ إلى مخلوقاتهِ، فمنْ قالَ: إنَّهُ في استوائهِ على العرشِ محتاجٌ إلى العرشِ كاحتياجِ المحمولِ إلى حاملهِ فإنَّهُ كافرٌ؟ لأنَّ الله غنيٌّ عَنِ العالمينَ حيٌّ قيُّومٌ، هو الغنيُّ المطلقُ وما سواهُ فقيرٌ إليهِ. فكيفَ بمنْ يقولُ إنَّهُ مفتقرٌ إلى السَّمواتِ والأرضِ؟ فأينَ حاجتهُ في الحملِ إلى العرشِ، منْ حاجةِ ذاتهِ إلى ما هو دونَ العرشِ (?)؟!