وهؤلاءِ الجهميَّةِ دائمًا يشركونَ بالله، ويعدلونَ بهِ، ويضربونَ لهُ الأمثالَ (?). فإنَّ كلامهم هذا وأمثالَهُ عدلٌ بالله، وإشراكٌ بهِ، وجعلُ أندادٍ لهُ، وضربُ أمثالٍ لهُ: فكلامهم في علوِّ الله يوجبُ لهم أنَّهم جعلوا مثلَ هذا العلوِّ: يجمعُ مِنَ التمثيلِ لله والعدلِ بهِ ابتداءً، ومِنْ جحدِ علوِّهِ المستلزمِ لجحودِ ذاتهِ انتهاءً؛ ظانِّينَ أنَّ هذا تنزيهٌ لله وتقديسٌ (?).

أوَلا يعلمونَ أنَّ الله يحبُّ أنْ نثبتَ لهُ صفاتِ الكمالِ وننفي عنهُ مماثلةَ المخلوقاتِ؟ وأنَّهُ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11]، لا في ذاتهِ ولا في صفاتهِ ولا أفعالهِ؟ فلا بدَّ منْ تنزيههِ عَنِ النَّقائصِ والآفاتِ ومماثلةِ شيءٍ مِنَ المخلوقاتِ، وذلكَ يستلزمُ إثباتَ صفاتِ الكمالِ والتمامِ، التي ليسَ فيهَا كفوٌ لذي الجلالِ والإكرامِ.

وبيانُ ذلكَ هنا: أنَّ الله مستغنٍ عنْ كلِّ ما سواهُ، وهوَ خالقُ كلِّ مخلوقٍ، ولم يصرْ عاليًا على الخلقِ بشيءٍ مِنَ المخلوقاتِ، بل هوَ سبحانهُ خلقَ المخلوقاتِ، وهو بنفسهِ عالٍ عليهَا، لا يفتقرُ في علوِّهِ عليهَا إلى شيءٍ منهَا كمَا يفتقرُ المخلوقُ إلى ما يعلو عليهِ مِنَ المخلوقات، وهو سبحانهُ حاملٌ بقدرتهِ للعرشِ ولحملةِ العرشِ. فإنَّما أطاقوا حملَ العرشِ بقوَّته تعالى، والله إذا جعلَ في مخلوقٍ قوَّةً أطاقَ المخلوقُ حملَ ما شاءَ أن يحملهُ منْ عظمتهِ وغيرهَا، فهو بقوَّته وقدرتهِ الحاملُ للحاملِ والمحمولِ، فكيفَ يكونُ مفتقرًا إلى شيءٍ؟ وأيضًا فالمحمولُ مِنَ العبادِ بشيءٍ عالٍ، لو سقطَ ذلكَ العالي سقطَ هوَ، واللهُ أغنى وأجلُّ وأعظمُ منْ أنْ يوصفَ بشيءٍ منْ ذلكَ (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015