قال رحمه الله: «الاستواءُ على العرش، والكونُ في تلكَ الجهةِ، قد صرَّح به القرآنُ الكريمُ في مواطنَ يكثرُ حصرهَا، ويطولُ نشرها. وكذلكَ صرَّح بهِ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في غيرِ حديثٍ، بل هذا ممَّا يجده كلُّ فردٍ منْ أفرادِ النَّاسِ في نفسهِ، وتحِسه في فطرته وتجذبه إليه طبيعتهُ كما نراه في كلِّ مَنِ استغاثَ بالله سبحانه وتعالى، والتجأَ إليهِ، ووجَّهَ أدعيتهُ إلى جانبهِ الرفيعِ وعزِّهِ المنيعِ، فإنَّهُ يشيرُ عندَ ذلكَ بكفهِ أو يرمي إلى السَّماءِ بطرفهِ، ويستوي في ذلكَ عندَ عروضِ أسبابِ الدعاءِ وحدوثِ بواعثِ الاستغاثةِ ووجودِ مقتضياتِ الإزعاجِ، وظهورِ دواعي الالتجاءِ، عالمُ الناس وجاهلهم. والماشي على طريقِ السَّلفِ والمقتدي بأهلِ التأويلِ القائلينَ بأنَّ الاستواءَ هو الاستيلاءُ، فالسلامةُ والنجاةُ في إمرارِ ذلكَ على الظاهرِ والإذعان بأنَّ الاستواءَ والكون على ما نطقَ بهِ الكتابُ والسنةُ منْ دونِ تكييفٍ ولا تكلُّفٍ، ولا قيل ولا قال، ولا قصورٍ في شيءٍ منَ المقالِ.
فمنْ جاوزَ هذا المقدارَ بإفراطٍ أو تفريطٍ فهو غيرُ مقتدٍ بالسَّلفِ، ولا واقفٍ في طريقِ النَّجاةِ، ولا معتصمٍ عَنِ الخطأ ولا سالكٍ في طريقِ السلامة والاستقامة» (?).
فقدْ تبينَ بهذا الكلامِ أنَّ مثلَ هذهِ المسألةِ «العظيمةِ التي هي منْ أعظمِ مسائلِ الدينِ لم يكن السَّلفُ جاهلينَ بها ولا معرضينَ عنها، بلْ منْ لمْ يعرف ما قالوه فهو الجاهلُ بالحقِّ فيها، وبأقوالِ السلفِ، وبمَا دَلَّ عليه الكتابُ والسنةُ، والصَّوابُ في جميع مسائلِ النزاعِ ما كانَ عليهِ السلفُ مِنَ الصحابةِ والتابعينَ لهم بإحسانٍ، وقولهم هو الذي يدلُّ عليهِ الكتابُ والسنةُ والعقلُ الصريحُ» (?).