قيلَ لهم: لا خلافَ بيننا وبينكم، وبينَ سائرِ الأمَّةِ: أنَّهُ ليسَ في الأرضِ دونَ السَّماءِ بذاتهِ، فوجبَ حملُ هذهِ الآياتِ، على المعنى الصَّحيحِ المجمعِ عليهِ، وذلكَ: أنَّهُ في السَّماءِ إلهٌ معبودٌ منْ أهلِ السَّماءِ، وفي الأرضِ إلهٌ معبودٌ منْ أهلِ الأرضِ، وكذلكَ قالَ أهلُ العلمِ بالتفسيرِ، فظاهرُ التنزيلِ، يشهدُ أنَّهُ على العرشِ؛ والاختلافُ فِي ذَلِكَ بيننا فقط، وأسعدُ النَّاسِ بِهِ، مَنْ ساعدهُ الظَّاهرُ؛ وأمَّا قولهُ فِي الآيةِ الأخرى: {وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف: 84]، فالإجماعُ والاتِّفاقُ، قدْ بيَّنَ المرادَ بأنَّهُ معبودٌ منْ أهلِ الأرضِ، فتدبَّر هذا، فإنَّهُ قاطعٌ إنْ شاءَ الله.

ومِنَ الحجَّةِ أيضًا: في أنَّه عزَّ وجلَّ على العَرْشِ، فوق السَّماواتِ السَّبْعِ، أنَّ المُوَحِّدِينَ أجمعينَ، مِنَ العربَ والعجمِ، إذا كربهم أمرٌ، أو نزلتْ بهم شدَّةٌ، رَفَعُوا وجوهَهُم إلى السَّماءِ، يَسْتَغِيثُونَ رَبَّهُم تبارك وتعالى؛ وهذا أشهرُ وأعرفُ، عندَ الخاصَّةِ والعامَّةِ، منْ أنْ يحتاجَ فيهِ إِلَى أكثر من حكايتهِ؛ لأنَّهُ اضطرارٌ لم يُؤَنِّبْهُم عليه أحدٌ، ولا أنكرَهُ عليهمْ مسلمٌ.

فإنْ قالَ: إنَّه لا يكونُ مستويًا على مكانٍ إلَّا مقرونًا بالتكييفِ، قيلَ: قدْ يكونُ الاستواءُ واجبًا، والتكييفُ مرتفعٌ، وليسَ رفعُ التكييفِ يوجبُ رفعَ الاسْتِوَاءِ. وقدْ عقلنَا وأدركنا بحواسنا أنَّ لنا أرواحًا في أبداننا، ولا نعلمُ كيفيَّةَ ذلكَ، وليسَ جهلنا بكيفيَّةِ الأرواحِ، يوجبُ أنْ ليسَ لنَا أرواحٌ، وكذلكَ ليس جهلنا بكيفيَّةٍ على العرشِ، يوجبُ أنَّهُ ليسَ على عرشهِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015