والاستواءُ معلومٌ في اللُّغةِ ومفهومٌ، وهوَ العُلُوُّ والارْتِفَاعُ على الشَّيءِ ... وبهذا خاطبنَا اللهُ عزَّ وجلَّ وقال: {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ} [الزخرف: 13]. وقال: {وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} [هود: 44]. وقال: {فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ} [المؤمنون: 28]. وقال الشاعرُ:
فَأَوْرَدْتُهم ماءً بِفَيْفَاءَ قَفِرَةٍ ... وقد حَلَّقَ النَّجْم اليَمَانِيُّ فَاسْتَوَى
وهذا لا يجوزُ أنْ يتأوَّلَ فيهِ أحدٌ: استولى، لأنَّ النَّجمَ لا يستولي. وقدْ ذكرَ النَّضرُ بنُ شميل وكانَ ثقةً مأمونًا جليلًا في علمِ الدِّيانةِ واللُّغة، قال: حدثني الخليلُ، وحسبكَ بالخليلِ، قال: أتيتُ أبا ربيعةَ الأعرابيَّ، وكان من أعلمِ منْ رأيتُ، فإذا هو على سطحٍ، فسلَّمنا فردَّ علينا السَّلامَ وقالَ لنَا: استووا، فبقينا متحيرينَ، ولم نَدْرِ ما قالَ؟ قال: فقال لنا أعرابيٌّ إلى جنبهِ: إنَّهُ أمركم أنْ ترتفعوا، قال الخليلُ: هو منْ قولِ الله عزَّ وجلَّ: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ} [فصلت: 11]. فصعدنَا إليه.
فإنِ احتجُّوا بقولِ اللهِ عزَّ وجلَّ: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف: 84]. وبقولهِ: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ} [الأنعام: 3]، وقوله: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} [المجادلة: 7]. وزعموا: أنَّ الله تبارك وتعالى في كلِّ مكانٍ بنفسهِ وذاتهِ تبارك وتعالى.