الوجه الخامس: أنَّه ما من أحد بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا ومأخوذ من قوله ومتروك، ولا يُقتدى بأحد في أقواله وأفعاله وأحواله كلها إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فمن نزَّل غيرَه في هذه المنزلة فقد شرح بالضلالة والبدعة صدرًا، ولا يُغني عنه ذلك الغير من الله شيئًا، بل يتبرأ منه أحوج ما يكون إليه، قال تعالى: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166) وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ} [البقرة: 166 - 167].
وكل من بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجب عرضُ أقواله وأفعاله وأحواله على ما جاء به الرسول، فإن كانت مقبولة لديه قُبِلَتْ، وإلا رُدَّتْ.
فأبى الظالمون المفتونون إلَّا عَرْضَ ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - على أقوال الشيوخ وطريقتهم، فأضلَّهم، فعمَّ بذلك المصاب، وعظمت المحنة، واشتدت الرزية، واشتدت غربة الدين وأهله، وظن بهم الجاهلون أنَّهم هم أهل البدع، وأصحاب الطرائق والآراء هم أهل السنة، ويأبى الله إلَّا أن يُقيم دينه، ويُتِمَّ نوره، ويُعلِي كلماته وكلمات رسوله، وينصر حزبه ولو كره المبطلون.
الوجه السادس: أن من نقل عنه أنَّه حضر السماع من القوم، فليس فيهم رجل واحد يسوغ تقليده في الدين، فإنَّه ليس فيهم إمام من أئمة التقوى والعلم الذين يسوغ تقليدهم في الجملة.
وأعلى من حضره قوم لهم صدق وزهد وأحوال مع الله، ولكنهم ليسوا بمعصومين، ولا لهم قول يحكى مع أقوال العلماء الذين دارت