ذلك ومُناديه.
هذا، ولو (?) لم يكن فيه من المفاسد إلَّا ثِقلُ استماعِ القرآن على قلوب أهلِه، واستطالتُه إذا قُرئ بين يَدَيْ سماعِهم، ومرورُهم على آياته صُمًّا وعميانًا، لم يَحصُل لهم منه ذوق ولا وَجْدٌ ولا حلاوةٌ، بل ولا يُصغِي أكثر الحاضرين أو كثير منهم إليه، ولا يُقوِّمون معانيه، ولا يَغضُّون أصواتهم عند تلاوته. فإذا جاء السماع الشيطاني خَشَعَتْ منهم الأصوات، وهَدأت الحركات، ودارتْ عليهم كؤوسُ الطرب والوجد، وحَدا حينئذٍ حادي الأرواح إلى محلِّ السرور والأفراح.
فلغيرِ الله لا لله كم من عيونٍ تَسْكُبُ غَرْبَ مدامعَ، لم تَفِضْ (?) بقطرة منها نفسٌ عند تلاوة كلام الرحمن، وكم من شوقٍ ووجْدٍ ولهيب أحشاءٍ لا يُوجد منه شيء عند ذكر رب العالمين، ولا يثور ويتحرك إلَّا عند سماع المُبطِلين:
تُلِي الكتابُ فأطرقُوا لا خِيْفةً ... لكنه إطراقُ ساهٍ لاهِي
وأتَى الغناءُ فكالدِّبابِ تَراقصُوا ... والله ما رَقصُوا لأجلِ الله
دفٌّ ومزمارٌ ونَغْمةُ شاهدٍ ... فمتَى رأيتَ عبادةً بملاهي
ثَقُلَ الكتابُ عليهمُ لمَّا رأوا ... تقييدَه بأوامرٍ ونواهي
والرقصُ خَفَّ عليهمُ بعد الغِنا ... يا باطلًا قد لاقَ بالأشباه