الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} [الأنعام: 36]. فجعل الناس في هذا السماع قسمين: أهل استجابة وهم الأحياء، وأموات وهم المعرضون عنه سماعًا وإجابة.

وإن أردتَ السماع الثاني فلا ريب أنه يُحيِي النفس، ويُميت القلب، ولكن أصحابه يَغلَطون، فيظنون أن الذي حيَّ منهم قلوبهم وإنما هو نفوسهم، وآية ذلك أنه لو أُحيي منهم قلوبهم لملأها من حب كلامه وسماعه والإصغاء إليه والاشتغال به وتدبر معانيه، فإن زمن الحياة يَضِيقُ عن استغراقه بل عن استغراق بعضه، فلا يبقى في القلب الحيِّ متَّسعٌ لغيره أبدًا، وهذا أمر معلوم بالذوق كما قال:

لو كان في قلبي كقَدْر قُلامةٍ ... فضلًا لغيرك ما أتَتْك رسائلِي (?)

فصل

وأما قول القائل: "إن السماع حالٌ يُبدِي الرجوع إلى الأسرار من حيث الإحراق"، فهذا وصف منه لما يعتقبه السماع من الأحوال الباطنة، وقوة الحرارة والإحراق، وهذا أمر يُحِسُّه المرء ويجده في السماع، ولكن ليس في ذلك ما يقتضي مدحًا ولا ذمًّا ولا إباحة ولا تحريمًا، إذ مثل هذا قدر مشترك بين السماع الكفري والفسقي والإيماني، فعُبَّاد الصلبان والأوثان والنيران والشيطان يجدون في سماعهم مثل هذا، وعُشَّاق المردان والنسوان والأهل والأوطان يجدون مثل هذا وأقوى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015