وشيخه أبو القاسم الجنيد بن محمد شيخ القوم غير مدافع، أعرف بهذا الشأن منه، وأصحُّ طريقًا وأقرب إلى الاتباع، قد أخبر أن السماع فتنة لمن طلبه. فإذا كان لابد من التقليد فليقلَّد الجنيدُ أولى من تقليد الشبلي، وقد أطلق القول بأنه فتنةُ طالبه، وليس مراده أنه فتنة في الظاهر فقط، فإنه إنما يتكلم على صلاح القلوب وفسادها، وإنما أراد أنه يَفتِنُ القلبَ لمن طلبه، وهذا نهي وذم لا إطلاق وإباحة.

وقوله: "من عرفَ الإشارة حلَّ له السماع بالعبرة"، يُضاهِي قولَ من قال: هو حرام على العامة مباح للخاصة مستحب لخاصة الخاصة، مما لا يأتي به شريعةٌ، وتأبى حكمة الله أن تشرعه، فيكون الحل والحرمة تبعًا للعموم والخصوص.

وكان شيخنا قدَّس الله روحه يقول: ما أعلم أحدًا من المشايخ المقبولين يُؤثَر عنه في السماع نوعُ رخصةٍ وحَمْدٍ [إلا] ويُؤثرَ عنه الذم والمنع (?). وهذا من رحمة الله بعباده الصالحين، حيث يردُّهم في آخر أمرهم إلى الحق الذي بعث الله به رسوله، ولا يجعلهم مُصرِّين على ما يخالف الحق، قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 135].

فإن قيل: ما معنى قوله: "مَن عرف الإشارة حلَّ له السماع

طور بواسطة نورين ميديا © 2015