الكلام على قوله تعالى: {ألم نشرح لك صدرك}

وجعل سبحانه حكمة هذه الفتنة والمحنة استخراجَ صبرهم وصدقهم، فمن صبر وصدق كانت الفتنة في حقه عين كماله وسعادته، ومن لم يصبر ولم يصدق كانت هذه المحنة سببَ هلاكه، فهذه المحنة عينُ حكمته، فهي كالكِيْر الذي ميَّز بين الطيب والخبيث، ولولا هذا الامتحان لما تميز هذا من هذا. وإذا عرف العبد هذا فما أولاه بالصبر والتأسي إذا علم أن العالم كله في محنة! وبالله التوفيق.

وسمع قارئًا يقرأ: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الانشراح: 1 - 4]، فقال: شرح الله صدرَ رسوله أتمَّ الشرح، ووضع عنه وِزره كل الوضع، ورفع ذكره كل الرفع، وجمل لأتباعه حظًّا من ذلك، إذ كل متبوع فلأتباعه حظ ونصيب من حظ متبوعهم في الخير والشر على حسب اتباعهم له.

فأتبعُ الناس لرسوله - صلى الله عليه وسلم - أشرحُهم صدرًا، وأوضعهم وزرًا، وأرفعهم ذكرًا، وكلما قويتْ متابعتُه علمًا وعملًا وحالًا وجهادًا، قويت هذه الثلاثة حتى يصير صاحبُها أشرحَ الناس صدرًا، وأرفعهم في العالمين ذكرًا. وأما وضعُ وِزرِه فكيف لا يوضع عنه ومن في السماوات والأرض ودوابُّ البر والبحر يستغفرون له؟

وهذه الأمور الثلاثة متلازمة، كما أضدادها متلازمة، فالأوزار والخطايا تَقبِضُ الصدر وتُضيِّقه، وتُخمِلُ الذكرَ وتَضَعُه، وكذلك ضيق الصدر يضع الذكر ويجَلِبُ الوِزرَ، فما وقع أحد في الذنوب والأوزار إلا من ضيق صدره وعدم انشراحه، وكلما ازداد الصدر ضيقًا كان أدعى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015