يحتجوا عليه (?) سبحانه يومَ القيامة بغفلتهم عنه، فكيف تقوم عليهم الحجة بأمرٍ كلهم عنه غافل لا يذكره أحد منهم؟
ومنها: أنَّه قال: {أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ} [الأعراف: 173]، فأخبر أنَّه أقام عليهم الحجة لئلا يحتجوا عليه بتقليد الآباء، فلو أهلكهم لأهلكهم بذنوب غيرهم، وهذا كله حصل بعد إرسال الرسل (?) وإنزالِ الكتب وتركيبِ العقول والأسماع والأبصار فيهم، فكيف يحصل بهذا العهد الذي لا يذكره أحد؟
ثمَّ إنَّ الجنيد في السماع كان له أحوال: أولها حضوره، ثمّ المنع من التكلُّف له، والرخصة لمن صادفه.
قال القشيري (?): "سمعت محمد بن الحسين، يقول: سمعت الحسين بن أحمد بن جعفر، يقول: سمعت أبا بكر بن ممشاذ، يقول: سمعت الجنيد، يقول: السماع فتنةٌ لمن طلبه، ترويحٌ لمن صادفه.
فأخبر أنَّه فتنةٌ لمن قصده، ولم يجعله لمن صادفه قُربةً ولا مستحبًّا. بل جعله من نوع الراحة، فكيف يقول مع هذا إنَّه يُذكِّر الخطاب المتقدم؟ ثمّ إنَّ الجنيد ترك السماع وتاب منه، ومنع منه أصحابه، كما تقدم حكاية ذلك (?).