زُمرةٍ تَلِجُ الجنةَ على صورة القمر ليلة البدر، ثمّ الذين يَلُونهم كأشدِّ كوكبٍ في السماء إضاءةً" (?). وأمثال هذا كثير مما فيه وصف وجوه أهل السعادة بالحسن والبهاء والجمال والنضرة، ووجوه أهل الشقاوة بالقبح والسواد والوحشة والسوء.
وأظهر هذه السِّماتِ على الوجوه سمَةُ الصدق والكذب، فإن الكذاب يُكسَى وجهُه من السواد بحسب كَذِبه، والصادق يُكسَى وجهُه من البياض بحسب صدقه. ولهذا رُوِي عن عمر بن الخطاب أنه أمر بتعزير شاهد الزور بأن يُسوَّد وجهُه، ويُركبَ مقلوبًا على الدابة (?)، فإن العقوبة من جنس الذنب، فلما سَوَّد وجهَه بالكذب وقَلَبَ الحديثَ سُوِّد وجهُه وقُلِبَ في ركوبه، وهذا أمر محسوس لمَن له قلب، فإن ما في القلب من النور والظلمة والخير والشر يَسْرِي كثيرًا إلى الوجه والعين، وهما أعظم الأعضاء ارتباطًا بالقلب.
وتأمل قوله تعالى: {وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ} [محمد: 30]، فهذا التعريف داخل تحت المشيئة معلَّق بها، ثم قال: {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} [محمد: 30]، فهذا قسم محقق لا شرط فيه، وذلك أن ظهور ما في قلب الإنسان على لسانه أعظمُ من ظهوره على وجهه، لكنه يبدو في الوجه بُدوًّا خفيّا يراه الله، ثمَ يقوى حتى يصير صفةً