من الكرامة أعلاها ومن الحُظْوة منتهاها، ولهذا إذا رأى هؤلاء من جمع بين الصورة الجميلة والصوت اللذيذ من غلامة وغلام، علقوا بقلوبهم وهِمَمِهم عليه، وانقادتْ أسرارهم وجوارحهم إليه، وشَقّوا عليه القلوب قبل الجيوب، وبذلوا في مرضاته كل مطلوب. وقد زيَّن الشيطان لكثير من هؤلاء أنَّ عشق الصور الجميلة إذا لم يقارنه فاحشة محبة محمودة، وأنها محبة لله وفي الله، وهم نظير أصحاب الأصوات المطربة، فالطائفتان "رَضِيعَا لِبانٍ ثَدْيَ أمٍّ تقاسَما" (?).

والعارف يعلم أنَّ هذا أعظم من مواقعة الكبيرة، فإنَّها معصيةٌ أدنى أحوالِه أن يَذُمَّ نفسَه ويلومَها عليها، ويخاف مقتَ الله وغضبه ولعنته، وأما هذا فمتقرب متعبد بالعكوف على تمثال الجمال، وقد حال بين قلبه وبين ذي العظمة والجلال. فأين مؤمن فاسق قد جمع سيئةً وحسنةً، خلط عملًا صالحا وآخر سيئًا،

يخاف ذنوبًا لم تَغِبْ عن وليِّه ... ويرجوه فيها فهو راجٍ وخائفُ (?)

من مبتدع ضالٍّ يجعل ما نهى الله عنه قربةً، وما كره الله دينًا، وهو يرى المنكر معروفًا والمعروف منكرًا، قد زُّينَ له سوءُ عمله فرآه حسنًا. ومن جعل ما لم يأمر الله به ولا أحبه محبوبًا له، فقد شرع دينًا لم يأذن الله به، وذلك باب الشرك، كما قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015